فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة والسعي لها ( {ولا يغرنكم با الغرور} ) قال مالك عن زيد بن أرقم: هو الشيطان: أي بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية، فإنها وإن أمكنت لكن الذنب بهذا التوقع كتناول السم اعتماداً على دفع الطبيعة، وقد عقّب تعالى هذه الآية بما يدل على عداوة الشيطان لنا بقوله:{إن الشيطان لكم عدوّ}(فاطر: ٦) الآية. وقرىء بالضم وهو مصدر أو جمع كقعود.
(وقال تعالى) : ( {ألهاكم} ) أي أشغلكم، وأصله الصرف إلى اللهو منقول من لها إذا غفل ( {التكاثر} ) بالأموال والأقوال ( {حتى زرتم المقابر} ) إلى أن متم وقبرتم مضيعين أعماركم في طلب الدنيا عما هو أهم لكم وهو السعي لأخراكم، فزيارة المقابر عبارة عن الموت ( {كلا} ) ردع وتنبيه على أن العاقل ينبغي له أن لا يكون جميع همته ومعظم سعيه للدنيا فإن عاقبة ذلك وبال وحسرة ( {سوف تعلمون} ) خطأ رأيكم إذا عاينتم ما وراءكم وهو إنذار ليخافوا وينتهوا عن غفلتهم ( {ثم كلا سوف تعلمون} ) تكرير للتوكيد، وفي ثم دلالة على أن الثاني أبلغ من الأول، أو الأول عند الموت أو في القبر، والثاني عند النشور ( {كلا لو تعلمون علم اليقين} ) أي لو تعلمون ما بين أيديكم على الأمر اليقين: أي كعلمكم ما تستيقنونه لشغلكم ذلك عن غيره أو لفعلتم ما لا يوصف ولا يكيف، فحذف الجواب ولذا اقتصر المصنف على ذلك. قال البيضاوي: ولا يجوز أن يكون قوله: {لترون الجحيم} جواباً لأنه محقق الوقوع بل هو جواب قسم محذوف أكد به الوعيد وأوضح به ما أنذرهم منه بعد إبهامه تفخيماً اهـ.......
(وقال تعالى) : ( {وما هذه الحياة الدنيا} ) قال في «النهر» : الإشارة بهذه ازدراء للدنيا وتصغير لأمرها ( {إلا لهو ولعب} ) أي كما يلهى ويلعب به الصبيان ويجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ثم يتفرقون متعبين ( {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} ) أي لهي دار الحياة الحقيقية لامتناع طريان الموت عليها، أو جعلت هي في ذاتها حياة مبالغة. والحيوان مصدر حي سمي به ذو الحياة مبالغة وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واواً وهو أبلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة، ولذلك اختير عليهما هنا. وفي «فتح