للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"الذي جُهلت عدالته الباطنة، وهو عدلٌ في الظاهر" (١)، ولعل في صنيعه إشارة إلى تعدد معاني الستر والوصف بالمستور بين اللغة والاصطلاح، والإطلاق والتقييد.

والمتأمل لحال الرواة الذين وصفهم مسلم بالستر يجدهم ليسوا ممن جُهلت عدالتهم وضبطهم؛ بل توافرت أقوال نقّاد الحديث في بيان حالهم من الجرح والتعديل، وعدّهم مسلم في المرتبة الثانية بعد رواة الصحيح من الحفاظ المتقنين، ووصفهم ابن الصلاح بالتوسّط في الحفظ والإتقان.

ونجد ابن الصلاح كذلك حين عرّف أحد أقسام الحسن قال: "الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث، أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق ... " (٢).

فقد وصف المستور بأنه لا يكون مغفلاً ولا كثير الخطأ، ولم يظهر منه تعمّد الكذب، ولا سبب آخر مفسّق، فالمستور بهذا الوصف قد ظهر جانب من عدالته وكذلك ضبطه، فهذا أحد معاني الستر المقيّدة بنفي بعض الأوصاف المُؤثرة في ضبط الرواة.

وقد يُقصد بوصف الستر كذلك: "الرجل الفاضل النبيل العفيف الكريم في قومه، وما شابه هذه الكلمات" (٣)، وقد جاء ذلك في بعض كتب التراجم، وهذا من استعمالهم الكلمة


(١) ابن الصلاح، علوم الحديث، ١١١.
(٢) المرجع السابق، ٣١. وقد لخّص ذلك السخاوي بقوله: "أن يكون في الإسناد مستور لم تتحقق أهليته [ولكنه بالنظر إلى ما ظهر]، غير مغفل، ولا كثير الخطأ في روايته، ولا يتهم بتعمد الكذب فيها، ولا ينسب إلى مفسق آخر، واعتضد بمتابع أو شاهد" السخاوي، فتح المغيث، ١/ ٩١ ط مكتبة السنة، وما بين المعقوفتين من ط دار المنهاج ١/ ١٢٣، بينما اكتفت الطبعة الأولى بذكرها في الهامش.
(٣) ينظر: عوامة، دراسات الكاشف، ١/ ٧٥ بتصرف.
وقد استدل المؤلف على ذلك بعشرة نصوص تؤيد ما توصّل له فقال: "ثم وقفت على نصوص كثيرة تدل على المعنى الذي قدمته، وعدد منها جاء في تراجم الأندلسيين، مما صحح ظني السابق أنها كلمة محلية (بغدادية) ". ١/ ٧٥ - ٧٩.

<<  <   >  >>