للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من الإتقان، والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة." (١)

فمسلم -رحمه الله- جمع في وصفه للقسم الثاني من الرواة بين الستر والصدق وتعاطي العلم، ونبّه إلى كونهم أدنى منزلة من المرتبة الأولى، وهم أهل الحفظ والإتقان، وهو بذلك قد جمع بين وصف الستر والشهرة (٢) حين قال: "تعاطي العلم يشملهم" وقال: "وإن كانوا بما وصفنا من العلم، والستر عند أهل العلم معروفين"، وتبعه ابن الصلاح حين شرح كتابه فوصف هؤلاء الرواة بالستر والتوسط في الحفظ والإتقان، فقال:

" ذكر مسلم رحمه الله أولاً: أنه يقسم الأخبار ثلاثة أقسام:

الأول: ما رواه الحفاظ المتقنون.

والثاني: ما رواه المستورون المتوسطون في الحفظ والإتقان.

والثالث: ما رواه الضعفاء والمتروكون" (٣)

وقد يُستشكل صنيع ابن الصلاح ومتابعته للإمام مسلم في وصفه لطبقة الرواة الثانية وجمعه بين الستر والتوسط في الحفظ والإتقان، رغم أن اصطلاحه في المستور هو:


(١) مسلم، صحيح مسلم، ١/ ٥ - ٦.
(٢) في هذا إشارة إلى تداخل بين مصطلحي الستر والشهرة، وسيأتي تحريره بإذن الله في هذا المبحث.
(٣) شرح ذلك بقوله " فإذا فرغ من القسم الأول اتبعه بذكر القسم الثاني، وأما الثالث فلا يعرج عليه، فذكر الحاكم أبو عبد الله الحافظ وصاحبه أبو بكر البيهقي: أن المنية اخترمته قبل إخراج القسم الثاني، وذكر القاضي الحافظ عياض بن موسى من المغاربة: أن ذلك مما قبله الشيوخ والناس من الحاكم وتابعوه عليه، وأن الأمر ليس على ذلك، فإنه ذكر في كتابه هذا أحاديث الطبقة الأولى وجعلها أصولا، ثم أتبعها بأحاديث الطبقة الثانية على سبيل المتابعة والاستشهاد، وليس مراد مسلم بذلك إيراد الطبقة الثانية مفردة، وكذلك ما أشار إليه مسلم من أنه يذكر علل الأحاديث قد وفى به في هذا الكتاب في ضمن ما أتى به فيه من جمع الطرق والأسانيد والاختلاف." ثم علّق على ما نقله بقوله: " قلت: كلام مسلم محتمل لما قاله عياض، ولما قاله غيره. نعم روي بالصريح عن إبراهيم بن محمد بن سفيان أنه قال: أخرج مسلم ثلاثة كتب من المسندات، واحد الذي قرأه على الناس، والثاني يدخل فيه عكرمة، ومحمد بن إسحاق صاحب المغازي وضرباؤهما، والثالث يدخل فيه من الضعفاء، وهذا مخالف لما قاله الحاكم، والله أعلم." ابن الصلاح، صيانة صحيح مسلم، ٩٠ - ٩١.

<<  <   >  >>