للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: يقبل من لم يكن داعية إلى بدعته (١)؛ لأن تزيين بدعته قد يحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه، وهذا في الأصح " (٢)

"وبالجملة الأئمة مختلفون في أخذ الحديث من أهل البدع والأهواء". (٣)

وما وقع في صحيح البخاري ومسلم أو أحدهما من وقوع الرواية عن بعض المبتدعة، فقد اعتذر الحافظ ابن حجر رحمه الله عن ذلك بأنه: "لم يكن داعية، أو كان وتاب، أو اعتضدت روايته بمتابع". (٤)

ثم إن عدد هؤلاء الرواة - ممن فيهم بدعة - تسعة وستون، (٥) وهو عدد يسير جداً مقارنة بعدد رواة البخاري وهم بضعة آلاف، وهذا يُظهر جلياً أن الرواية في الصحيح عن المبتدعة معدول بها عن الأصل. (٦)


(١) قال عبدالرحمن بن مهدي: "ثلاثة لا يؤخذ عنهم: المتهم بالكذب، وصاحب بدعة يدعو إلى بدعته، والرجل الغالب عليه الوهم والغلط"، وقال أيضاً: "من رأى رأيا ولم يدع إليه احتمل, ومن رأى رأيا ودعا إليه فقد استحق الترك"، وسئل الإمام أحمد بن حنبل: "أيكتب عن المرجئ والقدري؟ قال: "نعم يكتب عنه إ ذ لم يكن داعيا". ينظر: الخطيب البغدادي، الكفاية، ١٢٦ - ١٢٨، ابن رجب، شرح العلل، ١/ ٣٩٩.
(٢) ثم قال: "وأغرب ابن حبان؛ فادعى الاتفاق على قبول غير الداعية، من غير تفصيل.
نعم، الأكثر على قبول غير الداعية، إلا أن يروي ما يقوي بدعته فيرد، على المذهب المختار، وبه صرح الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، شيخ أبي داود والنسائي، في كتابه "معرفة الرجال"، فقال في وصف الرواة: ومنهم زائغ عن الحق -أي عن السنة- صادق اللهجة؛ فليس فيه حيلة إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكرا، إذا لم يقو به بدعته انتهى.
وما قاله متجه؛ لأن العلة التي لها رد حديث الداعية واردة فيما إذا كان ظاهر المروي يوافق مذهب المبتدع، ولو لم يكن داعية، والله أعلم". ابن حجر، النزهة، ١٢٦ - ١٢٨. ينظر: الدهلوي، أصول الحديث، ٦٦ - ٦٧.
(٣) الدهلوي، المرجع السابق، ٦٧. قال الذهبي مُلخّصاً لهذه المذاهب: " فإن كان كلامهم فيه من جهة معتقده، فهو على مراتب: فمنهم: من بدعته غليظة. ومنهم: من بدعته دون ذلك. ... ومنهم: الداعي إلى بدعته. ومنهم: الكافُّ، وما بين ذلك.
فمتى جمع الغلظ والدعوة، تجنب الأخذ عنه. ومتى جمع الخفة والكف، أخذوا عنه وقبلوه. فالغلظ كغلاة الخوارج، والجهمية، والرافضة. والخفة كالتشيع، والإرجاء. وأما من استحل الكذب نصرا لرأيه كالخطابية، فبالأولى رد حديثه." الذهبي، الموقظة، ٨٥، ينظر: ابن رجب، شرح العلل، ١/ ٣٥٧ - ٣٥٨.
(٤) ابن حجر، هدي الساري، ٤٥٩.
(٥) تقسيم الرواة حسب ثبوت البدعة وتوفر شروط القبول:
١ - الرواة الذين لم تثبت لهم بدعة أو تابوا عددهم واحد وثلاثون.
٢ - الرواة الذين ثبتت لهم بدعة وتوافرت فيهم شروط القبول عددهم أربعة وثلاثون.
٣ - الرواة الذين ثبتت لهم بدعة ولم تتوافر فيهم شروط القبول، وقُبلت روايتهم لاعتبارات أخرى هو راوٍ واحدٍ فقط.
٤ - الرواة الذين ثبتت لهم بدعة ولم تتوافر فيهم شروط القبول عددهم ثلاثة. ينظر: إندونيسيا خالد حسون، منهج الإمام البخاري في الرواية عمن رمي بالبدعة، ٢/ ٩٨٤.
(٦) ينظر: العثمان، المحرر في مصطلح الحديث، ٤٠٤ - ٤٠٥ بتصرف.
ملاحظة: "ها هنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن رجال الجرح والتعديل عدوا في مصنفاتهم كثيرًا ممن رُمِيَ ببدعة، وسَنَدُهم في ذلك ما كان يقال عن أحد من أولئك أنه شيعي أو خارجي، أو ناصبي أو غير ذلك، مع أن القول عنهم بما ذُكر قد يكون تقوُّلا، وافتراء، ومما يدلُّ عليه أن كثيرًا ممن رمي بالتشيع من رواة الصحيحين لا تعرفهم الشيعة أصلا القاسمي، قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، ١٩٥.

<<  <   >  >>