للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الاصطلاح: قال ابن حجر: "هي اعتقاد ما أحدث على خلاف المعروف عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا بمعاندة، بل بنوع شبهة." (١)

والبدعة "إما أن تكون بمكفر:

١ - كأن يعتقد ما يستلزم الكفر.

٢ - أو بمفسق.

فالأول: لا يقبل صاحبها الجمهور، وقيل: يقبل مطلقا، وقيل: إن كان لا يعتقد حل الكذب لنصرة مقالته قبل. (٢)

والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعة؛ لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ فتكفر مخالفها، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف.

فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسه، فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه، مع ورعه وتقواه، فلا مانع من قبوله. (٣)

والثاني: وهو من لا تقتضي بدعته التكفير أصلا، وقد اختلف، أيضا، في قبوله ورده:

فقيل: يرد مطلقا. وهو بعيد، وأكثر ما علل به أن في الرواية عنه ترويجا لأمره وتنويها بذكره، وعلى هذا فينبغي أن لا يروى عن مبتدع شيء يشاركه فيه غير مبتدع.

وقيل: يقبل مطلقا، إلا إن اعتقد حل الكذب، كما تقدم.


(١) ابن حجر، النزهة، ١٠٧.
(٢) قال الخطيب البغدادي في الكفاية: "وذهبت طائفة من أهل العلم إلى قبول أخبار أهل الأهواء, الذين لا يُعرف منهم استحلال الكذب والشهادة لمن وافقهم بما ليس عندهم فيه شهادة, وممن قال بهذا القول من الفقهاء أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي فإنه قال: وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة, لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم, وحكى أن هذا مذهب ابن أبي ليلى وسفيان الثوري, وروي مثله عن أبي يوسف القاضي "
قال ابن تيمية: "والبدع متنوعة، فالخوارج مع أنهم مارقون يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ... ليسوا ممن يتعمد الكذب، بل هم معروفون بالصدق حتى يقال: إن حديثهم من أصح الحديث لكنهم جهلوا، وضلوا في بدعتهم، ولم تكن بدعتهم عن زندقة، وإلحاد، بل عن جهل، وضلال في معرفة معاني الكتاب". المراجع: الخطيب البغدادي، الكفاية، ١٢٠، ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، ١/ ٦٧.
(٣) وقد رجّح الدكتور الخضير ما حققه ابن حجر. ينظر: الخضير، الحديث الضعيف، ١٦٦.
ذكر الحاكم في كتابه المدخل إلى الإكليل -ضمن أقسام الصحيح المختلف فيه-: "روايات المبتدعة وأصحاب الأهواء فإن رواياتهم عند أكثر أهل الحديث مقبولة إذا كانوا فيها صادقين."
وقال ابن دقيق العيد: "الذي تقرر عندنا: أنه لا تعتبر المذاهب في الرواية؛ إذ لا نكفر أحدا من أهل القبلة، إلا بإنكار متواتر من الشريعة.
فإذا اعتقدنا ذلك، وانضم إليه التقوى والورع والضبط والخوف من الله تعالى، فقد حصل معتمد الرواية وهذا مذهب الشافعي رضي الله عنه فيما حُكي عنه". المراجع: الحاكم، الإكليل، ٤٩، ابن دقيق العيد، الاقتراح، ٥٨.

<<  <   >  >>