للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأنواع وأدقها، ولا يقوم به إلا من رزقه الله الفهم الثاقب، والحفظ الواسع، والمعرفة التامة بمراتب الرواة، والملكة القوية بالأسانيد والمتون، وهو كذلك، بل الشاذ - كما نُسِب لشيخنا- أدق من المعلل بكثير." (١)؛ لذا حين اُستُشكِل على تعريف الحاكم - ما تفرّد به العدل الحافظ الضابط مما حُكِم بصحته، وأُخرِج في الصحيح، - أجاب البقاعي بقوله:

"وأما الحاكم فبعد علمك بالقيد الذي قاله تعلم أنه لا يرد عليه ذلك؛ لأن ما في الصحيح من ذلك مما مثل به الشيخ (٢)، وما شاكله لم يقع في قلب أحد من النقاد ضعفه" (٣).

وبهذا يُستنتج "أنّ للحديث الشاذ عند الحاكم شرطين:

١ - تفرد ثقة.

٢ - وينقدح في نفس الناقد أنه غلط.

وعليه فإذا كان هناك حديث فرد، ولم ينقدح في نفس الناقد أنه غلط فهو حديث صحيح لا شيء فيه عند الحاكم" (٤).

فالحاكم لا يَعُدُّ كل حديث يتفرّد به الثقة شذوذاً مردوداً، فقد قال في المستدرك بعد إخراجه لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة)) (٥)


(١) السخاوي، فتح المغيث، ١/ ٢٤٦.
(٢) يقصد ابن الصلاح، حيث مثّل لتفرد الثقات بحديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) -أخرجه البخاري في صحيحه كتاب بدء الوحي، ١/ ٦ ح (١)، ومسلم في صحيحه كتاب الإمارة ٣/ ١٥١٥ ح (١٩٠٧) -وحديث: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء وهبته)) - أخرجه البخاري في صحيحه كتاب العتق، باب بيع الولاء ٣/ ١٤٧ ح (٢٥٣٥)، ومسلم في صحيحه كتاب العتق، باب النهي عن بيع الولاء ٢/ ١١٤٥ ح (١٥٠٦) - وحديث: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر)). ثم قال: "فكل هذه مخرجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثقة. وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة". ابن الصلاح، علوم الحديث، ٧٧ - ٧٨.
(٣) البقاعي، النكت، ١/ ٤٥٦.
(٤) الأثري، الحديث الشاذ، ٤١.
(٥) أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الإيمان، ١/ ٩١ ح (١٠٠).

<<  <   >  >>