للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ما انفرد بروايته بعض الثقات عن شيخه، دون سائر الرواة عن ذلك الشيخ." ثم قال: "وقد حكى شيخنا المازري (١) -رحمه الله في كتابه (المُعلِم بفوائد مسلم): إن زيادة العدل مقبولة" (٢)، ثم أتبع ذلك بتعريف الغريب، فقال: "ما شذّ طريقه، ولم تُعرف رواته بكثرة الرواية"، وأردفه بتعريف الشاذ، فيظهر أنه عنى بالفرد: زيادة الثقة، وبالغريب: تفرّد قليل الرواية، وبالشاذ: تفرد كثير الرواية؛ ليميّز بين الأنواع الثلاثة، والله أعلم.

نخلص مما سبق:

التفرّد في الرواية هي الانفراد بها دون متابعة أو مشاركة، سواءٌ كان بأصل الحديث أو بجزء منه، وسواءٌ كان الراوي ثقةً أو غير ثقة، والتفرد ليس بعلة في نفسه أو في كُلّ أحواله، ولكنه مظنة لوجودها.

وممن اشترط التفرد في الشذوذ: الحاكم، والخليلي، أما الحاكم فقد قيّد الشاذ بتفرد الثقة بما لا يُتابع عليه، وأضاف - مما يُستنتج من سياق كلامه وأمثلته- بأن هذا التفرد مشوب باستنكار النقاد -وهو نوع أدقُّ من المعلل- إذ ينقدح في ذهنهم وجود علة وإن لم تكن ظاهرة ... ، فليس كل تفرد من الثقة مردود بل ما ينقدح في ذهن الناقد وجود خطأ في الرواية تقصر عبارته عن بيانه. (٣)

ونُسب للخليلي إطلاق تفرد الراوي بالرواية سواء كان ثقة أو غير ثقة؛ إلا أن التأمل فيما ذكره، وسياقه يجد أنه ليس على الإطلاق المذكور بل قيّد تعريفه بتفرّد الشيوخ، وسبق تعريفه مثال للفرد الشاذ بسبب تفرّد راوِ وصفه بكونه شيخ لا يُعرف ضعفه ولا توثيقه.


(١) محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازَري المالكي. أبو عبد الله. فقيه محدث وأحد الأئمة الأعلام. مات سنة ٥٣٦ هـ. ينظر: الصفدي, الوافي بالوفيات, ٤/ ١١٠ (١٦٨٢)، ابن العماد, الشذرات, ٦/ ١٨٧. الزركلي, الأعلام, ٦/ ٢٧٧.
(٢) ينظر: المازري، المعلم بفوائد مسلم (٢/ ٣٧٣) ح (٧٣٧).
(٣) ينظر: تحقيق كتاب ابن رجب، المرجع السابق ١/ ٤٥٩ - ٤٦٠، الأثري، الحديث الشاذ، ٤١ - ٤٢.

<<  <   >  >>