للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد نُقل عن أبي داود - في المراد بالاختلاف- قوله: "والاختلاف عندنا ما تفرد قوم على شيء، وقوم على شيء" (١)، ولعل عبارة الترمذي أكثر وضوحاً في بيان حد الاختلاف في الأسانيد، حيث قال - عن أحد الرواة الموصوفين بكثرة الاضطراب، وهو ابن أبى ليلى (٢) - أنه: "كان يروي الشيء مرة هكذا ومرة هكذا، يغيِّر الإسناد" (٣)، ... ونقل أيضاً عن الإمام أحمد بن حنبل قوله: "ابن أبى ليلى لا يُحتجُّ به"، ثم عقّب ببيان المراد من عدم الاحتجاج وسببه، فقال: "إنما عنى إذا تفرد بالشيء. وأشد ما يكون هذا إذا لم يحفظ الإسناد، فزاد في الإسناد، أو نقص، أو غيَّر الإسناد، أو جاء بما يتغير فيه المعنى، فأما من أقام الإسناد وحفظه، وغير اللفظ. فإن هذا واسع عند أهل العلم إذا لم يتغير به المعنى." (٤)

وفي موضع آخر في سننه أخرج لهذا الراوي حديثاً، وذكر اضطرابه فيه (٥)، وفي ذلك إلماحة منه بما يحويه الاضطراب من تغيير وتبديل في الرواية، سواء من حيث الإسناد


(١) المزي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ٢٦/ ٤٣١.
(٢) محمد بن عبدالرحمن بن أبى ليلى الأنصاري، أبو عبدالرحمن الكوفي، القاضي، الفقيه، قال عنه الإمام أحمد: "ابن ابى ليلى كان سيِّئ الحفظ، مضطرب الحديث وكان فقه ابن أبي ليلى أحب إلينا من حديثه، حديثه فيه اضطراب." وقال ابن حجر: "صدوق سيِّئ الحفظ جدا"، مات سنة ١٤٨ هـ. ينظر: ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل، ٧/ ٣٢٣ (١٧٣٩)، ابن حبان، المجروحين، ٢/ ٢٤٣، ابن عدي، الضعفاء، ٧/ ٣٩٠ (١٦٦٣)، الذهبي، الكاشف، ٢/ ١٩٣ (٥٠٠٠)، ابن حجر، التقريب، ٤٩٣ (٦٠٨١).
(٣) الترمذي، السنن، ٦/ ٢٣٨، ابن رجب، شرح العلل، ١/ ٤١٥. عدّ أحد المعاصرين كلام الترمذي أقدم ما قيل في حد اختلاف الأسانيد، وتعريفه. ينظر: العثمان، المحرر، ٢٧١.
(٤) الترمذي، السنن، ٦/ ٢٣٩.
(٥) أخرج الترمذي في سننه كتاب الآداب، باب ما جاء كيف يُشمّت العاطس، ٤/ ٤٥٧ ح (٢٧٤١)، فقال: حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو داود، قال: أخبرنا شعبة قال: أخبرني ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى بن عبدالرحمن، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن أبي أيوب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال، وليقل الذي يرد عليه، يرحمك الله، وليقل هو: يهديكم الله ويصلح بالكم.)). وقال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن ابن أبي ليلى، بهذا الإسناد نحوه.
ثم عقّب بقوله: هكذا روى شعبة هذا الحديث عن ابن أبي ليلى، عن أبي أيوب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان ابن أبي ليلى يضطرب في هذا الحديث، يقول أحيانا: عن أبي أيوب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقول أحيانا: عن علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <   >  >>