للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فابن خزيمة لم ينصّ على شرط الضبط؛ لكنه قد يُفهم من قوله "ولا جرح في ناقلي الأخبار" أنه يشترطه، ويدلل على ذلك صنيعه في كتابه الصحيح، وإعلاله أحاديث بسبب الطعن في ضبط رواتها (١)،

وقد يُثار تساؤل حول السبب في انتصار ابن حجر للخطابي وتضمين معنى الضبط في تعريفه للصحيح -رغم عدم تنصيص الخطابي عليه- وفي المقابل تعقّبه لابن خزيمة رغم اشتراطه نفي الجرح عن الرواة؟

ولعل الجواب على ذلك: لأن الخطابي مايز بين الصحيح والحسن، وعرّف كل منهما بتعريف مستقلّ، بينما ابن خزيمة، وتلميذه ابن حبان لم يذكرا ما يفرّقا بين الصحيح والحسن أو كما قال ابن حجر: "لأنهما ممن لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن، بل عندهما أن الحسن قسم من الصحيح لا قسيمه؛ " هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإن نفي الجرح عن الرواة لا يعني اتصافهم بأعلى درجات الضبط والإتقان المطلوبة في الصحيح، حيث شرط الصحيح -عند ابن حجر ومن وافقه- يتطلّب مزيد ضبط من الرواة؛ لذا تعقّب ابن خزيمة وابن حبان في ذلك، وهذا لا ينفي اشتراطهم مجمل ضبط الراوي لمروياته. (٢)


(١) من أمثلة ذلك في صحيح ابن خزيمة: تعليله بعض الأحاديث بشكه في ضبط راويه أو سوء حفظه أو وهمه، حيث قال: "في القلب من النعمان بن راشد فإن في حديثه عن الزهري تخليط كثير" وكان هذا سبب تردده في إثبات الخبر، وذلك بعد أن أخرجه من حديث النعمان عن الزهري في باب إعادة الخطبة الثانية بعد صلاة الاستسقاء، ح ١٤٢٢، ٢/ ٣٣٨. وأيضاً جاء عنه في: "باب ذكر شهود من كان خارج المدن الجمعة مع الإمام إذا جمع في المدن إن صح الخبر؛ فإن في القلب من سوء حفظ عبد الله بن عمر العمري رحمه الله" ٣/ ١٧٧، ح (١٨٦٠)، وقال أيضاً في: " باب الرخصة في الشرب في الطواف إن ثبت الخبر؛ فإن في القلب من هذا الإسناد، وأنا خائف أن يكون عبد السلام أو من دونه وهم في هذه اللفظة أعني قوله: في الطواف" ٤/ ٢٢٦، ح (٢٧٥٠). للاستزادة ينظر: عوّامة، مصطلح ابن خزيمة في إعلال الحديث.
(٢) يدلل على ذلك صنيع ابن حبان في كتابه الثقات، حيث يذكر فيه الرواة الثقات عنده، ويميّز بين بعض مروياتهم التي وقع فيها وهم أو اضطراب ومن ذلك:
- قوله عن عكرمة بن عمار العجلي، وإدخاله في طبقة التابعين؛ "لأن له لقيا وسماعاً من الصحابي، ومتى صح ذلك دخل في جملة التابعين، سواء قلت روايته أو كثرت، وأما روايته عن يحيى ابن أبي كثير ففيه اضطراب، كان يحدث من غير كتابة." ٥/ ٢٣٣.
- وقوله عن: "جرير بن حازم بن زيد الأزدي العتكي، ... كان يخطئ؛ لأن أكثر ما كان يحدث من حفظه، وكان شعبة يقول: ما رأيت بالبصرة أحفظ من رجلين هشام الدستوائي، وجرير بن حازم" ٦/ ١٤٤.
- ويظهر كذلك تفاوت الرواة عنده حسب حفظه وإتقانهم في مفاضلته بين حماد بن زيد، وحماد بن سلمة فقال: "ما كان حماد بن زيد يحدث إلا من حفظه، وقد وهم من زعم أن بينهما كما بين الدينار والدرهم لأن حماد بن زيد كان أحفظ وأتقن وأضبط من حماد بن سلمة، كان اللهم إلا أن يكون القائل بهذا أراد فضل ما بينهما في الفضل والدين؛ لأن حماد بن سلمة كان أدين وأفضل وأورع من حماد بن زيد، ولسنا ممن يطلق الكلام على أحد بالجزاف بل نعطى كل شيخ قسطه وكل راو حظه." ٦/ ٢١٧.

<<  <   >  >>