فيا لَلهول!! ويا لَلعار!! أتنسب إلى المسلمين في ذروة عزهم ومجدهم أنهم استأمنوا اليهود قتلة الأنبياء، ومحرفي الكلم من بعد مواضعه، وأشد الناس عداوة للذين آمنوا على تراثهم الذي هو لباب دينهم، ونتاج عقولهم، ونسل قلوبهم، وكنز علومهم، وعِرض أمتهم؟! وهل يجرؤ مسلم يعرف قدر هذه الأمة وقدر علمائها الربانيين، وولاتها الصادقين؛ على أن يجوِّز أن يفوت شيء من سنة الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- جميع علماء الأمة المحمدية، في حين يحتكره يهودي كاهن عراف منجم حتى إن الأمة لتحتاج إليه، وتتسول منه، وتتطفل عليه؟!!
لقد تكفل الله -سبحانه وتعالى- بحفظ الذكر، فقال -عز وجل-:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ٩] وحفظ الذكر يشمل حفظ السُّنَّة كما بيَّن العلماء، فلا يمكن أن يفوت جميعَ الأمة شيء من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى المخطوطات التي فقدت لا يترتب على فقدها ضياع ما فيها من سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كجامع سفيان الثوري، وموطأ ابن أبي ذئب، ومسند بقي بن مخلد؛ لأن أحاديث هؤلاء الأئمة مدونة في كتب السُّنَّة التي بأيدينا.
إن علماءنا العاملين الربانيين هم فقط الذين يحتكرون حق القِوامة على تراثنا بحمله وتبليغه مَن بعدهم مصداقَ قولِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَحِمِلُ هَذَا العِلْمَ مِنْ كلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الغَالِينَ، وانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ، وتَأوِيلَ الجَاهِلِينَ"(١).
(١) رواه بنحوه البيهقي في "السنن" (١٠/ ٢٠٩) مرسلًا، لكنه رُوي موصولا عن جماعة من الصحابة، وصحَّحَ بعضَ طرقه الحافظ العلائي، وانظر: "تحقيق المشكاة" (١/ ٨٢) رقم (٢٤٨).