وهذا الحديث -حديث الفُتُون- يشيرُ إليه الحافظ ابن كثير، في مواضعَ متعددةٍ من تفسيره، وقد نفيتُه عن كتابي هذا نَفْيًا، ولم أُشر إليه إلَّا مرةً واحدةً، عند أول مرة أشار إليه ابنُ كثير فيها، عند تفسير الآية (٤٩) من سورة البقرة، ثم أعرضتُ عن الإشارة إليه -إن شاء الله- فلا أُشِيرُ إليه إِلَّا أنْ أُضطَرَّ إلى ذلك اضطرارًا، وأسأل الله التوفيق والتيسير، والهدى والسداد.
ومن أعظَمِ الكَلِمِ في الدلالة على تنزيه القرآن العظيم عن هذه الأخبار الإسرائيلية؛ كلمةٌ لابن عباس، رواها البخاري في "صحيحه"، ونقلها عنه الحافظُ ابنُ كثير، عند تفسير الآية (٧٩) من سورة البقرة، فقال ابن عباس:"يا معشَرَ المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابُكم الذي أنزل الله على نبيّهِ أحْدَثُ أخبارِ الله، تقرءونه مَحْضًا لم يُشَبْ! وقد حدَّثكم الله أنَّ أهل الكتابِ قد بَدَّلُوا كتابَ اللهِ وغَيَّرُوه، وكتموا بِأيديهم الكتابَ، وقالوا: هو من عند الله؛ ليشتروا به ثمنًا قليلًا، أفَلَا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مُسَاءَلَتِهِم؟ ولا والله ما رأينا منهم أحدًا قَطُّ سألكم عن الذي أُنزل إليكم ".
وهذه الموعظةُ القويةُ الرائعةُ رواها البخاري في ثلاثة مواضِعَ من "صحِيحِه ": [٥: ٢١٥، ١٣: ٢٨٢، ٤١٤ من فتح الباري](١). اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- وهو يناقش حكم النظر في كتب أهل الكتاب: "والذي يظهر أن كراهية ذلك للتنزيه لا للتحريم، والأولى في هذه المسألة التفرقة بين من لم يتمكن ويَصِرْ من الراسخين