(٢) وهذا ما يجعل عهدة هذه الأخبار عليك لا على من رَوَوْها مقرونة بأسانيدها، وانظر ص (١٦٣) وما بعدها.
فائدة: "من أسند؛ فقد أحالَكَ": إن اشتغال الكثير من العلماء في عصر التدوين بجمع الأحاديث مسندة دون تفتيش في أسانيدها لا يصح فهمه على أنهم يحتجون بالأحاديث الضعيفة، وإنما كان جلُّ اهتمامهم بالجمع والتدوين مبادرة للعوارض التي قد تعرض للمحدِّث نفسه، واغتنامًا لفرصة لقيا الراوي الذي قد يعرض له سفر أو تغير أو موت، وهذا سر قولهم: "سيندم المنتخب"، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة التحقيق والتمحيص إعمالًا لقاعدة "قَمِّشْ ثم فتش"، وللعلامة المحدث ناصر الدين الألباني -قدس الله روحه، ونور ضريحه- كلام نفيس ذكره رحمه الله، في مقدمة تحقيقه لكتاب "اقتضاء العلم العمل". قال رحمه الله: "قد يقول قائل: إذا كان المؤلف بتلك المنزلة العالية في المعرفة بصحيح الحديث، ومطروحه؛ فما بالنا نرى كتابه هذا وغيره من كتبه قد شحنها بالأحاديث الواهية؟ والجواب: أن القاعدة عند علماء الحديث أن المحدث إذا ساق الحديث بسنده؛ فقد برئت عهدته منه، ولا مسئولية عليه في روايته ما دام أنه قد قرن معه الوسيلة التي تمكن العالم من معرفة ما إذا كان الحديث صحيحًا أو غير صحيح، ألا وهي الإسناد. نعم، كان الأولى بهم أن يُتبعوا كلَّ حديث ببيان درجته من الصحة أو الضعف، ولكن الواقع يشهد أن ذلك غير ممكن بالنسبة لكل واحد منهم، وفي جميع أحاديثه على كثرتها؛ لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن، ولكن أذكر منها أهمها، وهي أن كثيرًا من الأحاديث لا تظهر صحتها أو ضعفها إلا بجمع الطرق والأسانيد، فإن ذلك مما يساعد على معرفة علل الحديث، وما يصح من أحاديث لغيره، ولو أن المحدثين كلهم انصرفوا إلى التحقيق وتمييز الصحيح من الضعيف لما استطاعوا -والله أعلم- أن يحفظوا لنا هذه الثروة الضخمة من الأحاديث والأسانيد، =