للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا غاية أجل التوبة في حق عمر الدنيا، أما غايته في حق كل إنسان فَبَيَّنهُ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» (١)، أي: ما لم تبلغ رُوْحُهُ حُلْقُومَهُ.

وعليه فإن الواجب على المؤمن أن يميز بين ما يَعْنيْه، وما لا يَعْنيْه، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» (٢).

ومن صور اشتغال المرء بما لا يعنيه أن يديمَ البحث: متى الساعة؟ مع أنه غيب استأثر الله بعلمه، وإنما اشتغالُهُ بما يعنيه في هذا الباب أن يجتهدَ في الإعداد للساعة والتهيؤ لها، وبخاصة الساعة الخاصة به (٣)؛ وهي لحظة موته؛ ولذلك لما سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا نبي الله متى الساعة؟ " لم يلتفت إلى سؤاله، وأرشده إلى الاشتغال بما يعنيه، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ ... " (٤) الحديث.


(١) رواه الأمام أحمد (٩/ ١٧ - ١٨)، (٦١٦٠)، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر.
(٢) أخرجه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الترمذي (٢٣١٨)، وابن ماجه (٣٩٧٦)، وحسنه النووي -رحمه الله تعالى-.
(٣) وهي التي قال فيها -صلى الله عليه وسلم-: "بادروا بالأعمال ستًا" ذكر منها: "وَخُوَيصَةَ أحَدِكُم" أي: ساعة موته الخاصة به، وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، قالت: "كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألوه عن الساعة: متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم، فقال: إن يعش هذا، لم يدركه الهرم، قامت عليكم ساعتكم"، رواه مسلم (٢٩٥٢)، يعني يموت ذلك القرن، أو أولئك المخاطبون، وانظر: "فتح الباري" (١٠/ ٥٥٦)، وراجع: بيان "الراغب" لمعاني الساعة، ص (١٨ - ٢٠).
(٤) رواه البخاري (٦١٦٧)، (١٠/ ٥٥٣)، ومسلم (٢٦٣٩)، (١٦٣).

<<  <   >  >>