وقال الحافظ في "الفتح" في حديث: "لَا تُصَدّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَلَا تُكَذّبُوهُمْ": "أي: إذا كان ما يخبرونكم به مُحْتَمَلًا؛ لئلا يكون في نفس الأَمر صدقًا فتكذبوه، أَو كذِبًا فتصدقوه، فتقعوا في الحرج، ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعُنا بخلافه، ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعُنا بوفاقه، نَبَّه على ذلك الشافعي -رحمه الله تعالى-، ويؤخذ من هذا الحديث: التوقف عن الخوض في المشكلات، والجزم فيها بما يقع في الظن، وعلى هذا: يُحْمَلُ ما جاءَ عن السلف من ذلك"(١). اهـ.
وبهذا البيان والتوفيق بين المرويات في هذا الباب ظهر أَن لا تعارض بينها، ولا يخالف بعضُها بعضًا، وأَنَّ لكل حالة حكمها.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "الاختلاف في التفسير على نوعين: منه ما مستنده النقل فقط، ومنه ما يُعْلَمُ بغير ذلك، إذ العلم: إِمَّا نقل مُصَدَّقٌ، وإِمَا استدلالٌ مُحَقَّقٌ.
والمنقول: إما عن المعصوم، وإما عن غير المعصوم، والمقصود بأن جنس المنقول سواء كان عن المعصوم أو غير المعصوم -وهذا هو النوع الأول- منه ما يمكن معرفة الصحيح منه والضعيف؛ ومنه ما لا يمكن معرفة ذلك فيه، وهذا القسم الثاني من المنقول؛ وهو: ما لا طريقَ إلى الجزم بالصدق منه، فالبحث عنه مما لا فائدة فيه، والكلام فيه من فضول الكلام، وأَمَّا ما يحتاج المسلمون إلى معرفته؛ فإن الله نصب على الحق فيه دليلًا.