للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- وأقربها الثاني، فلعله خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط؛ كطلوع الشمس من مغربها، ولا يستحيل أن يتخلل بين الكسوف والطلوع المذكور أشياء مما ذكر، وتقع متتالية بعضها إثر بعض، مع استحضار قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: ٧٧].

- وقيل: لعله قدَّر وقوع الممكن، لولا ما أعلمه الله تعالى بأنه لا يقع قبل الأشراط؛ تعظيمًا منه لأمر الكسوف؛ ليتبين لمن يقع له من أمته ذلك كيف يخشى ويفزع، لا سيما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط، أو أكثرها.

- وقيل: لعل حالة استحضار إمكان القدرة غلبت على استحضار ما تقدم من الشروط؛ لاحتمال أن تكون تلك الأشراط كانت مشروطة بشرط لم يتقدم ذكره؛ فيقع المخوف بغير أشراطٍ؛ لفقد الشرط، والله سبحانه وتعالى أعلم" (١). اهـ. كلامه رحمه الله تعالى.

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى إِلَّا: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ جَاءَتِ السَّاعَةُ، قَالَ: فَقَعَدَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ، حَتَّى لَا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ، وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ، ثُمَّ قَالَ: بِيَدِهِ هَكَذَا - وَنَحَّاهَا نَحْوَ الشَّأْمِ - فَقَالَ: عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ، قُلْتُ: الرُّومَ تَعْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ،" ... الحديث (٢).

فتأمل كيف أنكر ابن مسعود -رضي الله عنه- غلُوَّه في توقع قيام الساعة إلى حدِّ الْقَطْعِ بأنها "جاءت" بالفعل، دون اعتبار لما قبلها من الأشراط.


(١) "فتح الباري" (٢/ ٥٤٦).
(٢) رواه مسلم في "صحيحه"، (١٨/ ٢٣، ٢٤ - نووي).

<<  <   >  >>