للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الساعة وقال: "وتقدير المضاف للقرائن ثابت لغة كتابًا وسُنَّةً لا نكير فيه" إلى أن قال -رحمه الله تعالى-: "ثم إنه يدل لتقدير المضاف أمر آخر، وهو أنه قد مضى بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- قريب من اثنتي عشرة مائة، ولم تقم الساعة، فلا قرب لقيامها ببعثته بل بأشراطها، والله أعلم" (١). اهـ.

إن القرون -التي يستطيلها الإنسان الذي خُلق مِن عَجَل- ما هي في عمر الدنيا إلَّا لحظات، وقيام الساعة قريبٌ في علم الله تعالى، وتقديره، وإن كانت المقاييس البشرية -لو اطلعت عليه- تراه بعيدا، قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (٦) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (٧)} [المعارج: ٦، ٧]؛ فكل ما هو آتٍ قريب، والبعيد ما ليس بآت (٢)، وإن عامة نصوص الوحيين التي تدل على اقتراب الساعة، وأشراطها الكبرى - يجب أن تُفْهَمَ في ضوء هذه "النسبية" بين ما مضى من عمر الدنيا، وبين ما بقي منه؛ وَلَمَّا كنا لا ندري كم عمر الدنيا؛ صِرْنَا لا نستطيع الجزمَ بموعد انتهائه؛ لكننا نستطيع فقط أن نستنتج من تلك النصوص أن ما بقي بالنسبة إلى ما مضى شيء يسير، لكن -لا يَعْلَمُ مقدارَ ما مضى، وما بقي إلَّا علَّامُ الغيوب، الذي وسع كل شيء علمًا- سبحانه وتعالى-.


(١) "نفسه" ص (٥٥،٥٤).
(٢) ولو أنك أجَّلتَ مَن استدان منك أجلًا طويلًا- كأن تؤجله خمسين سنة مثلًا- فعند انقضاء خمس وأربعين سنة، تقول: إن موعد السداد قد اقترب؛ أي: بالنسبة لما مضى من الموعد المضروب.

<<  <   >  >>