للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: فهل يعني ذلك أن الأحاديث الواردة في وصف الفتن ليس لها معنى معين (خاص) وانما هي أمور عامة مشتركة بين الأزمنة والأمكنة والأشخاص؟

فالجواب. لا .. فإن كل ما صحَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فتنة من الفتن لا بدَّ واقع لا محالة كما أخبر؛ فإن كان المخبَرَ عنه أشخاصٌ يكونون في الأمة: ظهر أولئك الأشخاص بأعيانهم كما أخبر؛ وعندها يعرفهم الناس بالعلامات الدالَّة عليهم الواردة في النصوص في وصفهم؛ كذي الثديَّة المذكور في قتال الخوارج (١)، والدجال وغيرهما.

وإن كان المذكور في النص أحوالٌ وأوصافٌ للناس عامة أو لبعضهم خاصة، أو للأزمنة أو الأمكنة: وقعت تلك الأوصاف، واستحكمت، وغلبت حتى تكون مطابقة لما ورد، فيعرفها الناس حينئذٍ، كما في "الصحيحين" من حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ


(١) وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر أصحابه -رضي الله عنهم- عن صفات الخوارج، فقال: "لا والذي نفسي بيده! ليخرجن قوم من أمتي تحقرون أعمالكم مع أعمالهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية"، قالوا: فهل من علامة يُعرفون بها؟ قال: "فيهم رجلٌ ذو يُدَيَّة أو: ذو ثُدَيَّة محلقي رءوسهم"، ولما قاتلهم أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- بالنهروان التمس هذا الرجل الذي نعته النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجده في حفرة مما يلي الأرض في أربعين أو خمسين قتيلًا، فلما وجده وفق نعت النبي -صلى الله عليه وسلم- كَبَّر، وقال: "صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم". وانظر: "البداية والنهاية" (٧/ ٢٩٠ - ٣٠٥).

<<  <   >  >>