للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه، أو أنه لا يعلم به، فأنكره؟ وقال فيما أرسل إليه من المعهود من الملوك أن التجار لا يُقتلون؛ لأنهم عمارةُ الأقاليم، وهم الذين يحملون إلى الملوك ما فيه التحف والأشياء النفيسة، ثم إن هؤلاء التُّجَّار كانوا على دينك، فقتلهم نائبك، فإن كان أمرًا أمرتَ به، طلبنا بدمائهم، وإلا فأنت تُنْكِرُهُ، وتقتصُّ من نائبك.

فلما سمع خوارزم شاه ذلك من رسول جنكيز خان، لم يكن له جواب سوى أنه أمر بضرب عُنُقِهِ، فأساء التدبيرَ، وقد كان خَرَّفَ وكَبُرَتْ سِنُه، وقد ورد الحديث: "اتْرُكُوا الترْكَ مَا تَرَكوكمْ ... "، فلما بلغ ذلك جنكيز خان، تجهز لقتاله، وأَخْذِ بِلادِهِ، فكان بِقَدَرِ الله تعالى ما كان من الأمور التي لم يُسْمَعْ بأغرَبَ منها، ولا أبشعَ" (١).

فهنا نرى أن المسلمين لما خالفوا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بترك التُّرك؛ جاءت العاقبةُ عنيفةً مريرةً، حيث اجتاح التتار ديار الإسلام في كارثة لم يسبق لها مثيل في التاريخ (٢).

وفي أكثر من موضع ذكر الحافظ ابن كثير وقائع القتال بين المسلمين والتتار، وبيَّن أن المسلمين لم يكونوا يتعقبون التتار إذا فروا هاربين أمامهم، ولو كانت الرماحُ تنالهم؛ ومثال ذلك ما ذكره في حوادث سنة ثلاث وأربعين وستمائة: "وفي هذه السنة كانت وقعةٌ عظيمةٌ بين جيش الخليفة وبين التتار -لعنهم الله-؛ فكسرهم المسلمون كسرةً عظيمةً،


(١) "البداية والنهاية" (١٣/ ١١٩).
(٢) انظر تفصيل ذلك في "المصدر نفسه" (٨٦/ ١٣ - ٩١)، وصدق عمرو بن العاص الذي قال لابنه عبد الله -رضي الله عنهما-: "الخَرَقُ: معاداةُ إمامك، ومناوأة من يقدر على ضررك"، كما في "الإحياء" (٣/ ١٨٨).

<<  <   >  >>