للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألم تر أن الله قال لمريم ... وهُزِّي إليكِ الجِذْعَ يَسَّاقَطِ الرُّطَبُ ولو شاء أن تجنيه مِن غيرِ هَزِّهِ ... جَنَتْهُ ولكنْ كلُّ شيءٍ له سببُ وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعِدُّ لكل أَمْرٍ عُدَّتَهُ، ويرسم له خُطَّتَهُ، كما حدث في رحلة الهجرة؛ فقد أَعَدَّ الرواحِلَ والدليلَ، واختارَ الرَّفِيقَ، وَحَدَّدَ مكانَ الاختفاء إلى أن يهدأ الطلب، وأحاط ذلك كله بسياجٍ من الكتمان، وكذلك كانت سيرته في غزواته كُلِّهَا، وعليه رَبَّى أصحابه الكرام، فكانوا يَلْقَوْنَ عدوهم متحصنين بأنواع السلاح، ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة، والبيضة على رأسه، مع أن الله -سبحانه وتعالى- قال: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧]، وكان إذا سافر في جهاد، أو حج، أو عمرة، حمل الزاد والمزاد.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "فحال النبي صلى الله عليه وسلم، وحال أصحابه، مَحَكُّ الأحوال، وميزانها، بها يُعْلَمُ صحيحُها من سقيمها، فإن هِمَمَهُمْ كانت في التوكل أعلى من همم مَن بعدهم" (١).

وقال سهل: "من قال: التوكل يكون بترك العمل، فقد طعن في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (٢).

فقد بيَّن -صلى الله عليه وسلم- أن الأخذ بالأسباب لا يُنافي التوكل على الله سبحانه وحده؛ فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» (٣).


(١) "مدارج السالكين" (٢/ ١٣٥).
(٢) "تفسير القرطبي" (٤/ ١٨٩).
(٣) رواه الترمذي رقم (٥٣٧)، (٤/ ٦٦٨)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (٢٥٤٩)، "موارد" ص (٦٣٣)، وقال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار": "إسناده جيد" (٤/ ٢٧٩)، بهامش "الإحياء".

<<  <   >  >>