للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعارك، ويُحاز الظفر والانتصار بفضل النفثات والأوراد، حيث لا يرمي المجاهدون بنظرهم إلى كافر إلا ويخِرّ مغشيًّا عليه، ولا يرفعون أيديهم بالدعاء على الأعداء إلا وتخور هممهم، وتنخر الديدان في طائراتهم ودباباتهم ... فهذا مثل تصورات عامة المسلمين في ظهور الإمام المهدي، ولكن الذي أفهمه في أمره هو أن الحقيقة على عكس ذلك كلّه؛ فالذي أقدِّره وأتصوره أن الإمام المنتظر سيكون زعيمًا من الطراز الأحدث في زمانه، بصيرًا بالعلوم الجديدة بصر المجتهد المُطَّلِع، ويكون جيد الفهم لمسائل الحياة، ويبرهن للعالمين رجاحة عقله وفكره، وبراعة تفكيره السياسي، وكمال حذقه لفنون الحرب، ويبز كلَّ أبناء زمانه الجدد في تقدمه وارتقائه، وإني لأخشى أن حضرات المشايخ ورجال الدين هؤلاء هم يكونون أول من يرفع النكير على رجحانه إلى الوسائل العصرية وعلى طرقه المحدثة للإصلاح، ثم لا أراه (أي: المهدي) سيكون مختلفًا في بيئته وهيئته عن عامة البشر، بحيث يعرفه الناس بعلاماته الخاصة وسماته المعلومة، كما لا أتوقع أنه يعلن


= (١١/ ٤٧٢ - فتح)، ومسلم رقم (٢٦٣٢). قيل: إن المقصود بالقسم قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} والأقرب أنه معطوف على قوله -عز وجل-: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ}.
أو يقال: ليس في الآية ولا في الحديث قسم؛ لأن من أساليب العرب التعبير بتحلة القسم عن القلة الشديدة، وإن لم يكن هناك قسم أصلًا؛ يقولون: "ما فعلت كذا إلا تحلة الفسم" يعنون: إلا فعلًا قليلًا جدًّا ما يحلل به الحالف قسمه، ومنه قول كعب بن زهير في وصف ناقته:
تخْدِي عَلَى يَسَرَاتٍ وَهْيَ لاحِقةً ... ذوابل وَقْعُهُن الأرضَ تَحلِيلُ أي: أن قوائم ناقته لا تمس الأرض لشدة خفتها إلا بقدر تحليل القسم، وانظر: "أضواء البيان" (٤/ ٣٥٤).

<<  <   >  >>