للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ بِعِزّ عَزيزٍ أَوْ ذُلّ ذَليلٍ، إِمَّا يُعِزُّهُم اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ يُذِلّهُم فَيَدِينُونَ لَهَا" (١).

قالوا: وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فيدينون لها" فيه إشارة إلى الجزية، وإشارة أخرى إلى أن هذا إنما يكون قبل نزول المسيح عليه السلام؛ لأنه لا يقبل الجزية من أحد، لما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ (٢)، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ (٣)، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ (٤)، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى


(١) رواه الإمام أحمد (٦/ ٤)، والحاكم (٤/ ٤٣٠) وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، والبيهقي في "السنن" (٩/ ١٨١)، وصححه الألباني في "تحقيق المشكاة" (١/ ٢٥)، والمَدَر: القُرى والأمصار، والوَبَر: صوف الإبل، والأرانب، ونحوها، يعني: أهل البادية، لأنهم يتخذون بوتهم من الوَبَر.
(٢) يكسر الصليب: أي يبطل دين النصرانية، بأن يكسر الصليب حقيقة، ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه، والصليب رمز لعقيدة صلب المسيح عند النصارى، والتي يزعمون بمقتضاها أن الرب قد ضحى بابنه المسيح، فمكَّن اليهودَ من صلبه؛ وذلك ليخلص البشرية من الخطيئة، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.
(٣) قال الحافظ في "الفتح" (٣٤٣/ ٤): "أي: يأمر بإعدام الخنزير مبالغة في تحريم أكله. وفيه توبيخ عظيم للنصارى الذين يدَّعون أنهم على طريقة عيسى -عليه السلام- ثم يستحلون أكل الخنزير، ويبالغون في محبته".
(٤) ويضع الجزية-: أي يتركها ويُسقطها؛ لأنه لن يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ودخل في الإسلام بعد نزول عيسى -عليه السلام- فلا يبقى أحد من أهل الذمة ليؤدي الجزية.
قال الحافظ في "الفتح" (٦/ ٣٥٦): "ويؤيده أن عند الإمام أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة: (وتكون الدعوى -أي: الملة- واحدة) ".

<<  <   >  >>