آمنوا بالنظرية ثم راحوا يبحثون عن الدليل، في حين أنّ ديننا يدعونا إلى البحث عن الدليل ثم الإيمان بما يأتي به الدليل لا الإيمان بما يمليه علينا الهوى ثم البحث عن ما يسعف ذاك الهوى.
ولعل من أبرز التحديات الفعلية التي واجهت هؤلاء المتكلمين هو موقف أهل البيت من نظرية العصمة التي يزعمها متكلمو الشيعة فيهم.
فقد خطب الإمام علي بن أبي طالب الناس في مسجد الكوفة قائلاً:(فلا تكفّوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطاء ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني)(١).
وأكدّ في خطبة أخرى وهو يتحدث عن الخارجي "الخريت بن ناجية" ومحاولاته السابقة لدفع الإمام لقتل واعتقال عدد من زعماء المعارضة، أنّ من الواجب على الناس الوقوف في وجه إمامهم ومنعه إذا أراد هو أن يفعل ذلك، مذكرينه بالله عز وجل!
ولم يكن الإمام علي بن أبي طالب ليقول هذا للناس لو كان هناك اعتقاد سائد لدى شيعته بعصمته، وذلك لأنّ هالة العصمة تحتم أن يضع الإمام نفسه فوق النقد وأن يحرّم على المعارضة نقده أو التجرؤ عليه بتوجيه النصح والمشورة له، وهذا ما لم يكن يفعله الإمام علي الذي ضرب أروع الأمثلة في حسن القيادة وطلب مشورة المحكومين وإعطائهم دورهم السياسي في تقويم حاكمهم.
ويستعرض الإمام علي في موضع آخر صفات الحاكم وشروطه فلا يذكر من بينها (العصمة) فيقول: (.. إنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم وإمامة
(١) نهج البلاغة ص٣٣٥ رقم (٢١٦) (ومن خطبة له عليه السلام خطبها بصفين).