للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَاب} (١) أراد تعالى: ولا تعيبوا إخوانكم المؤمنين فأجرى الأخوة بالديانة مجرى الأخوة في القرابة، وإذا وقعت النفس عندهم على البعيد النسب كانت أخلق أن تقع على القريب السبب، وقال الشاعر: كأنا يوم قُرّى إنما نقتل إيانا.

أراد: كأنما نقتل أنفسنا بقتلنا إخواننا، فأجرى نفوس أقاربه مجرى نفسه، لشوابك العصم ونوائط اللحم وأطيط الرحم، ولما يخلج من القربى القريبة، ويتحرك من الأعراق الوشيجة فأما قول الله تعالى في النور {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ} فيمكن أن يجرى هذا المجرى، لأنه جاء في التفسير: أنّ معنى ذلك فليسلّم بعضكم على بعض لاستحالة أن يسلم الإنسان على نفسه، وإنما ساغ هذا القول، لأنّ نفوس المؤمنين تجري مجرى النفس الواحدة للاجتماع في عقد الديانة، والخطاب بلسان الشريعة، فإذا سلّم الواحد منهم على أخيه كان كالمسلم على نفسه، لارتفاع الفروق واختلاط النفوس) انتهى كلامه.

وبهذا يتضح أنه لا حجة لدى الشيعة في دعواهم أنّ في هذه الآية ما ينص على المساواة بين رسول الله وعلي رضي الله عنه وأرضاه، فلفظ (النفس) يُطلق في لغة العرب على البعيد النسب كما يُطلق على القريب، وليس في ذلك دلالة على الإمامة من قريب ولا بعيد!

ثالثاً: أنّ دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة والحسنين جاءت من جهة القرابة لا لإظهار الإمامة أو النص عليها، إذ إنّ المباهلة إنما تحصل الرغبة والرهبة والشعور بصدق الداعي بجمعه نفسه وأهله الذين تحن إليهم النفوس بطبيعة الحال ما لا تحن إلى غيرهم من الأبعدين في الهلاك (٢).


(١) سورة الحجرات آية ١١
(٢) منهاج السنة ٧/ ١٢٥ - ١٢٦

<<  <   >  >>