لكني أتذكر أني قد جلست على كرسي بجانبه صندوق كبير، وحلّقت ببصري هنا وهناك فكان مما لفت نظري آنذاك وانطبع في ذاكرتي أقراص من طين كانت موضوعة في الصندوق.
لم يُترك لي المجال طويلاً للتخمين أو العبث فيها كسائر الأطفال، إذ سمعت نداء والدتي:(هيا يا محمد، لنذهب).
حين خرجنا سألتها عن المكان الذي كنا فيه، ما هو؟ وما الذي يفعله النساء في الباحة؟
فأخبرتني أنّ البيت الذي كنا فيه يسمى "حسينية" وهو بيت متعدد الأغراض، يُقرأ فيه عزاء عاشوراء وتقدم فيه الولائم ويُستخدم لمناسبات أخرى.
سألتها عن الأقراص التي رأيتها في الصندوق، ما هي؟
فأخبرتني أنها "تربة حسينية" وهي تربة مأخوذة من قبر الإمام الحسين بالعراق، يضع عليها الشيعة جباههم في سجدتي الصلاة. فسألتها بكل تلقائية: ولماذا هم شيعة ونحن سنة؟!
فكانت إجابتها أكثر تلقائية وأكثر عجباً إذ قالت: لأنهم لا يحبون الصحابة، فهم يسبون عائشة ولا يحبون أبا بكر وعمر، ونحن نحب الصحابة ولا نرضى بسبهم، ولأنهم في عاشوراء يلطمون ويبكون ويلبسون السواد ونحن لا نعتقد مثل هذه الأمور بل نراها خطأ ولأنهم لا يصلون مثل صلاتنا بل يسدلون أيديهم في الصلاة ويسجدون على التربة الحسينية.
فسألتها: ولماذا يفعلون ذلك؟ وقد كنت كأي طفل قد تعلمت في المدرسة شيئاً من السيرة النبوية، وأنّ عائشة هي زوج رسول الله وأنّ أبا بكر هو صاحبه في الغار وفي الهجرة، وتعلمت شيئاً عن قصة إسلام عمر وفضله، فبالنسبة لطفل قد تعلم هذا كله لا يُمكن له أن يتصور مسلماً يشتم هذه الشخصيات، فتعجبت جداً من كلامها، لكن سني آنذاك كان كافياً لصرفي عن الاهتمام بمثل هذه الأمور رغم كونها قد انطبعت في ذهني منذ ذلك الزمن.