لقد كانت الساعات تمر عليّ دون أن أشعر بها، قضيت ساعات طوالاً في "السيدة زينب" بين مطالعة الكتب وتأمل زوار الضريح، وقد كنت أمر في طريقي إلى مسجد "السيدة زينب" بحوزة الشيرازي - وهي حوزة كبيرة تطل على الشارع المؤدي إلى المسجد – فأشاهد بعضاً من سادة وعلماء الشيعة وقوفاً عند الحوزة أو خارجين منها، فتتحرك في نفسي الرغبة في الالتحاق بهذه الحوزة، لولا إصرار والدتي عليّ ألا أفعل.
لكني لن أنسى أبداً شاباً عراقياً تعرفت عليه في "السيدة زينب" وصحبته برهة من الزمن كان له أثره الجيد في نفسي وفي التعرف على واقع الشيعة أكثر.
بدا لي شاباً من عامة الشيعة، لكنه ابن عالم شيعي هاجر من العراق إلى إيران منذ أكثر من خمس عشرة سنة، فنشأ وترعرع في إيران ثم قدم إلى سوريا مع أبيه ليعمل في احدى مكتبات "السيدة زينب"(١).
أبديت له إعجابي بصراحته ووضوحه، فهو شخص لم تستخفه الطائفية المقيتة التي ابتلي بها أكثر الناس اليوم، فلم يكذبني القول في حديثه بل كان صريحاً معي للغاية بخلاف غيره ممن التقيت بهم من الشيعة.
قلت له: اعلم قبل كل شيء أنه من السهل عليّ أن أكون متحاملاً على الشيعة فأكتفي بكتب خصومهم وأحكم عليكم بالضلال وأُغلق باب النقاش منذ البداية كما يفعل ذلك كثير من الناس، لكني ناشد حق، يبحث عن ضالته بين ركام من التهم والأباطيل.
فرحّب بي وقال لي: أنا مستعد لكل ما تريده.
(١) في زيارتي الأخيرة لسوريا سنة ٢٠٠٦م لم أجد ذاك الشاب ولا تلك المكتبة التي كانت معروفة آنذاك باسم "مكتبة السيدة رقية" ويبدو أنها بيعت واستبدلت باسم آخر.