للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتجلى هذا الافتضاح بما يجريه الله عز وجل من البلاء الشديد حتى تظهر صورهم الحقيقية وتنكشف أمام المؤمنين، قال تعالى {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُون} (١).

و (المراد بالفتنة هنا افتضاح المنافقين على الملأ، وإظهار حقيقتهم لدى الجميع، وذلك بأنّ الله سبحانه كان يخبر نبيه الأكرم بما يبيّتون ويمكرون، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدوره يعاتبهم ويفضحهم، وقد تكرر هذا في كل عام مرة أو أكثر) (٢).

يقول الحافظ ابن كثير: (وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية، لأنّ مكة لم يكن فيها نفاق بل كان خلافه من الناس من كان يظهر الكفر مستكرهاً وهو في الباطن مؤمن، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام على طريقة مشركي العرب، وبها اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلافهم وكانوا ثلاث قبائل بنو قينقاع حلفاء الخزرج وبنو النضير حلفاء الأوس وبنو قريظة، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وأسلم من أسلم من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج وقلّ من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سلام رضي الله عنه ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضاً لأنه لم يكن للمسلمين بعد شوكة تُخاف، بل قد كان صلى الله عليه وآله وسلم وادع اليهود وقبائل كثيرة من أحياء العرب حوالي المدينة، فلما كانت وقعة بدر وأظهر الله كلمته وأعز الإسلام وأهله، قال عبد الله بن أبي بن سلول وكان رأساً في المدينة وهو من الخزرج، وكان سيد الطائفتين في الجاهلية، وكانوا قد عزموا على أن يملّكوه


(١) سورة التوبة آية ١٢٦
(٢) التفسير المبين (سورة التوبة آية ١٢٦) ص٢١٢

<<  <   >  >>