للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم فجاءهم الخير وأسلموا واشتغلوا عنه فبقي في نفسه من الإسلام وأهله، فلما كانت وقعة بدر قال: هذا أمر الله قد توجه، فأظهر الدخول في الإسلام، ودخل معه طوائف ممن هو على طريقته ونحلته وآخرون من أهل الكتاب فمن ثم وُجد النفاق في أهل المدينة ومن حولها من الأعراب، فأما المهاجرون فلم يكن فيهم أحد نافق لأنه لم يكن أحد يهاجر مكرهاً بل يهاجر فيترك ماله وولده وأرضه رغبة فيما عند الله في الدار الآخرة) (١).

و (إنّ من المعلوم بالاضطرار والمتواتر من الأخبار أنّ المهاجرين هاجروا من مكة وغيرها إلى المدينة، وهاجر طائفة منهم كعمر وعثمان وجعفر بن أبي طالب هجرتين: هجرة إلى الحبشة، وهجرة إلى المدينة، وكان الإسلام إذ ذاك قليلاً والكفار مستولون على عامة الأرض وكانوا يُؤذون بمكة ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الأذى ما لا يعلمه إلا الله وهم صابرون على الأذى، متجرعون لمرارة البلوى، فارقوا الأوطان، وهجروا الخلان لمحبة الله ورسوله والجهاد في سبيله كما وصفهم الله تعالى بقوله {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون} (٢).

وهذا كله فعلوه طوعاً واختياراً من تلقاء أنفسهم، لم يكرههم عليه مكره، ولا ألجأهم إليه أحد، فإنه لم يكن للإسلام إذ ذاك من القوة ما يُكره به أحد على الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ ذاك – هو ومن اتبعه – منهيين عن القتال، مأمورين بالصفح والصبر فلم يسلم أحد إلا باختياره، ولا هاجر أحد إلا باختياره.


(١) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/ ٥٠
(٢) سورة الحشر آية ٨

<<  <   >  >>