والواقع يصدّق ما قلناه في الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم قد صدرت منهم معاصي لا تضر بعدالتهم ومن ورد في حقه منهم ارتكابه لكبيرة من الكبائر فإنه قد ورد عنه أيضاً إتباعها بتوبة صادقة أو بحد دنيوي مكفّر للذنب كالغامدية التي زنت ورجمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكالرجل الذي كان يشرب الخمر ويؤتى به إلى رسول الله فأقام عليه الحد مراراً، والمخزومية التي سرقت، وحاطب بن أبي بلتعة الذي أخبر قريشاً بقدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاتحاً، وهؤلاء جميعاً تابوا إلى الله عز وجل إما باستغفار وإنابة إلى الله عز وجل أو بإقامة حد دنيوي، والحدود كفارات كما قال صلى الله عليه وآله وسلم:(ومن أصاب شيئاً من ذلك (أي من الزنا أو السرقة أو قتل النفس بغير حق) فعوقب فهو كفارة له) (١)، ولذلك فالحديث عنهم بسوء أو استغلال هذه المعاصي التي تابوا منها لا في القدح فيهم فحسب بل لنقض عدالة غيرهم هو من الظلم البيّن بل من التجني!
يقول الألوسي – رحمه الله – في "الأجوبة العراقية ص ٢٣ - ٢٤": " ليس مرادنا من كون الصحابة – رضي الله عنهم – جميعهم عدولاً: أنهم لم يصدر عن واحد منهم مفسَّق أصلاً، ولا ارتكب ذنباً قط، فإن دون إثبات ذلك خرط القتاد، فقد كانت تصدر منهم الهفوات .... " إلى أن قال: " ثم إنّ مما تجدر الإشارة إليه، وأن يكون الإنسان على علم منه: هو أنّ الذين قارفوا إثماً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم حُدّوا هم قلة نادرة
(١) نص الحديث كالتالي: (عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مجلس، فقال: تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به، فهو كفارة له ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذّبه) والحديث في صحيح مسلم – كتاب الحدود – باب الحدود كفارات لأهلها – حديث رقم (١٧٠٩).