والصدفة لا ينبثق عنها هذا التركيب العجيب في جسم الإنسان ولا هذا التأليف العجيب بين الذكر والأنثى لاستمرار النوع الإنسان كما سبق بيانه.
وأما الاحتمال الثاني: وهو أن يكونوا خلقوا أنفسهم، فهو أشد بطلاناً ـ كما مرمعنا في بطلان شبهة أن تكون الطبيعة هي الخالقة ـ؛ لأن معنى ذلك أن كل شيء خلق نفسه وهذا مستحيل لأنه يوجب اجتماع الضدين، بنفس الوقت: الوجود والعدم، فيكونوا موجودين معدومين خالقين مخلوقين، وهم لم يزعموا قط أنهم خلقوا أنفسهم، فعجزهم عن خلق السموات والأرض أظهر وأبين، لقوله تعالى:(لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ).
وقد نبّه سبحانه وتعالى المشركين على حقيقة وهي: أنهم لم يخلقوا أنفسهم بقوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ). فلم يجيبوا بنعم لعلمهم وعجزهم وقصورهم التام عن ذلك، ولتمنيهم أن تكون النطفة ذكرًا فلا يأتي، وكراهتهم الأنثى فتأتي بغير إرادتهم.
وعلى التقرير السابق فلم يبق إلا الاحتمال السابق وهو كونهم مخلوقين لخالق واحد هو الله رب العالمين، فيجب إذن إفراده بالألوهية وإخلاص العبادة له، ولذلك يقول في نهاية آيات سورة الطور:(أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، فهذا إنكار شديد على المشركين في عبادتهم الأصنام من دون الله وهو خالقهم، بعد أن بين لهم بطلان كل احتمال يرد على الخاطر،