ويخرجون من قبيح ما هم عليه قولاً وعملاً، ولهذا سموا صابئة؛ أي خارجين، فقد خرجوا عن تقيدهم بجملة كل دين وتفصيله، إلا ما رأوه فيه من الحق، وكانت كفار قريش تسمي النبي صلى الله عليه وسلم الصابئ، وأصحابه: الصبأة.
والمقصود: أن هذه الأمة قد شاركت جميع الأمم وفارقتهم، فالحنفاء منهم شاركوا أهل الإسلام في الحنيفية، والمشركون منهم شاركوا عباد الأصنام ورأوا أنهم على صواب.
وقد ناظرهم إمام الحنفاء صلوات الله وسلامه عليه في بطلان ما يعبدون من دون الله بما حكاه الله سبحانه في سورة الأنعام أحسن مناظرة وأبينها، ظهرت فيها حجته ودحضت، فقال بعد أن بيّن بطلان إلهية الكواكب والقمر والشمس بأفوالها، وأن الإله لا يليق به أن يغيب أو يأفل، بل لا يكون إلا شاهدًا غير غائب، كما لا يكون إلا غالبًا قاهرًا، غير مغلوب ولا مقهور، نافعًا لعابده، يملك لعابده الضر والنفع، فيسمع كلامه، ويرى مكانه، ويهديه ويرشده، ويدفع عنه كل ما يضره ويؤذيه، وذلك ليس إلا لله وحده، فكل معبود سواه باطل.
فلما رأى إمام الحنفاء أن الشمس والقمر والكواكب ليست بهذه المثابة صعد منها إلى فاطرها وخالقها ومبدعها، قال:(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).