أم خلقوا من غير خالق، أم هم الخالقون؟ ولو كان المراد من غير مادة لقال: أم خلقوا من غير شيء، أم من ماء مهين؟ فدل على أن المراد أنا خالقهم لا مادتهم. ولأن كونهم خلقوا من غير مادة ليس فيه تعطيل وجود الخالق، فلو ظنوا ذلك لم يقدح في إيمانهم بالخالق بل دل على جهلهم، ولأنهم لم يظنوا ذلك، ولا يوسوس الشيطان لابن آدم ذلك، بل كلهم يعرفون أنهم خلقوا من آبائهم وأمهاتهم، ولأن اعترافهم بذلك لا يوجب إيمانهم ولا يمنع كفرهم. والاستفهام استفهام إنكار، مقصوده تقريرهم أنهم لم يخلقوا من غير شيء، فإذا أقروا بأن خالقاً خلقهم نفعهم ذلك، وأمّا إذا أقروا بأنهم خلقوا من مادة لم يغن ذلك عنهم من الله شيئًا).
والمقصود: بيان أن في هذه الآية، ذكر الله ـ عز وجل ـ شيئين في قضية الخلق، وهما:
أ- إمّا أنهم خلقوا من العدم، والعدم هو الأصل.
ب- وإما أنهم خلقوا من شيء، وخلقوا أنفسهم بأنفسهم، فالوجود هو الأصل.
فمعنى الآية: هل انتقلوا من العدم إلى الوجود من غير خالق؟ أم هل كانوا هم الخالقين لأنفسهم في هذا الانتقال؟ وكلاهما من الأمور المستحيلة بداهة.
والموجِد لا يكون عدمًا لأن العدم لا يمكن أن يكون هو الأصل لأنه هو النفي العام لكل ما يخطر ببال، ونفي صفاته، فلا ذات ولا قوة ولا إرادة ولا