للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مواضِعَ كثيرَةٍ مِنْ تفسيرِه، كما سارَ عليه عملِيّاً في عامَّةِ تفسيرِه، ومِن ذلك قولُهُ عن بعضِ اختيارِه: «وإنَّما قُلنا: هذا التَّأويلُ أولى بالصوابِ مما عداهُ مِنْ سائِرِ التَّأويلات التي ذكرناها؛ لأنَّه غيرُ جائِزٍ أن يُقالَ في تأويلِ كتابِ الله تعالى ذكرُه قولٌ إلا بحُجَّةٍ واضِحَةٍ على ما قد بيَّنَّا في أوَّلِ كِتابِنا هذا» (١)، وقالَ أيضاً: «وغيرُ جائِزٍ أن يُقالَ في تأويلِ كتابِ الله بما لا دَلالَةَ عليه مِنْ بعضِ الوجوهِ التي تقومُ بها الحُجَّةُ» (٢)، وقالَ: «فمن ادَّعى في التنزيلِ ما ليسَ في ظاهِره، كُلِّفَ البُرهانَ على دعواه مِنْ الوجهِ الذي يجبُ التَّسليمُ له» (٣).

القاعدةُ الثّانيةُ: كلُّ قولٍ لا بُرهانَ على صِحَّتِهِ واضِحٌ خَطَأُه.

وذلك أنَّه لا سبيلَ إلى معرِفةِ الصَّوابِ إلا بالدَّليلِ، فإذا عُدِمَ الدَّليلُ عُدِمَ اليقينُ بالصَّوابِ، وإن أصابَ مُصادَفةً «فإنَّما هي إصابَةُ خارِصٍ وظانٍّ، والقائِلُ في دينِ الله بالظَنِّ قائِلٌ على الله ما لا يعلَم، وقد حَرَّمَ اللهُ جَلَّ ثناؤُه ذلك في كتابِه على عِبادِه فقالَ ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٣]» (٤)، وهذه القاعِدَةُ فرعٌ عن القاعِدَةِ السّابقَةِ، وقد أكَّدَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) هذا المعنى في تفسيرِه في مواضِعَ كثيرةٍ؛ مِنها قولُه: «وهذا الذي قالَهُ ابنُ زيدٍ: أنَّه كانَ أُمِرَ بالعفوِ بهذه


(١) جامع البيان ٤/ ٢٣٤.
(٢) جامع البيان ١/ ٤٩٩.
(٣) جامع البيان ٨/ ٧٢١. وينظر: ٢/ ١٨١، ٨/ ٣٣٠.
(٤) جامع البيان ١/ ٧٣.

<<  <   >  >>