للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُعارضُها، فلا بُدَّ مِنْ الفَرقِ بين الدَّليلِ الدّالِّ على الحقِّ، وبين ما عارضَه؛ ليتبيَّنَ أنَّ الذي عارضَه باطلٌ. فالدَّليلُ يحصلُ به الهُدى وبيانُ الحقِّ، لكن لا بُدَّ مع ذلك مِنْ الفُرقانِ؛ وهو الفَرقُ بين ذلك الدَّليلِ وبين ما عارضَه» (١). ومِن ثَمَّ لم يَقتصِرْ أهلُ التَّفسيرِ على لُغةِ العربِ في بيانِ المعاني -وإن كانَت أعظمَ ما يُستعانُ به لذلك-، بل ضَمّوا إليها ما لا بُدَّ مِنه مِنْ أحوالِ النُّزولِ؛ لتمامِ الواجبِ مِنْ البيانِ، وأشاروا إلى أنَّ مِنها ما يزيدُ عن الحاجةِ فلا يُستَرسَلُ فيه، كما قالَ ابنُ جُزَيّ (ت: ٧٤١): «وأما القَصَصُ فهي مِنْ جُملَةِ العلومِ التي تَضَمَّنَها القرآنُ، فلا بُدَّ مِنْ تفسيرِه، إلا أنَّ الضَّروريَّ مِنه ما يتوقَّفُ التَّفسيرُ عليه، وما سِوى ذلك زائِدٌ مُستَغنىً عنه» (٢). (٣)

المطلبُ الثّالثُ: أوجه الاستدلالِ بأحوالِ النُّزولِ على المعاني.

تتنوَّعُ صِيَغُ إيرادِ دليلِ أحوالِ النُّزولِ عند ابنِ جرير (ت: ٣١٠) إلى ثلاثةِ أنواعٍ:

الأوَّل: التَّصريحُ بالاستدلالِ بأحوالِ النُّزولِ، ومِن ذلك قولُه: «وقد أبانَ الخبرُ الذي ذكرناه عن سعيد بن المُسيّبِ وسليمانَ بن يسارٍ أنَّ قولَه


(١) النُّبوّات (ص: ٤٥).
(٢) التّسهيل ١/ ١٧.
(٣) ومِن هذا البابِ فرَّقَ مَنْ فَرَّقَ بين التَّفسيرِ والتَّأويلِ؛ فجعلَ التَّفسيرَ لبيانِ المعنى، والتَّأويلَ لإزالةِ الإشكالِ. أو: التَّفسيرَ للَّفظِ، والتَّأويلَ للمَعنى. وهما مُتقارِبان. ومِن ثَمَّ فأخصُّ وَصفٍ يوصَفُ به أهلُ هذا العلمِ هو أنَّهم: (أهلُ التَّأويلِ)، وعلى هذا سارَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) في تفسيرِه، فخصَّهم بهذا الاسم، وميَّزَهم به دونَ غيرِه.

<<  <   >  >>