للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجبُ التَّسليمُ له، ولا حُجَّةَ تدلُّ عليه، وغيرُ ضائِرٍ الجهلُ به» (١)، وقولُه عند قولِه تعالى ﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [المائدة: ١١٤]: «وأمَّا الصَّوابُ مِنْ القَولِ فيما كانَ على المائدَةِ، فأن يُقالَ: كانَ عليها مأكُولٌ. وجائِزٌ أن يكونَ كانَ سمكاً وخُبزاً، وجائِزٌ أن يكونَ كانَ ثَمراً مِنْ ثَمَرِ الجنَّةِ، وغَيرُ نافعٍ العِلمُ به، ولا ضَارٌّ الجهلُ به؛ إذا أقَرَّ تالي الآيةِ بظاهِرِ ما احْتَملَهُ التَّنزيلُ» (٢)، وكذا قولُه في قولِه تعالى ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦]: «وجائِزٌ أن يكونَ ذلك أذىً باللسانِ أو اليَدِ، وجائِزٌ أن يكونَ كانَ أذىً بهما، وليسَ في العِلمِ بأيِّ ذلك كانَ مِنْ أيٍّ نفعٌ في دينٍ ولا دُنيا، ولا في الجَهلِ به مَضَرَّةٌ؛ إذْ كانَ الله جلَّ ثناؤُه قد نَسَخَ ذلك مِنْ مُحْكَمِه بما أوجَبَ مِنْ الحُكمِ على عِبادِه فيهِما» (٣).

القاعدةُ السّادسةُ: ليسَ في القُرآنِ ما لا معنى له فلا يُستَدَلَّ عليه، ولا زيادَةَ فيه بلا معنى.

هذه القاعِدَةُ تَتَّصِلُ بمنهَجِ الاستدلالِ مِنْ جِهَةِ أنَّ كُلَّ ما في القُرآنِ مَحلٌّ للاستدلالِ؛ إذْ ليسَ في القرآنِ حرفٌ لا معنى له، كما ليسَ فيه زيادَةٌ لا معنى لها (٤). وقد نَصَّ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) على ذلك في مقدِّمةِ


(١) جامع البيان ٢٤/ ٥٠.
(٢) جامع البيان ٩/ ١٣١.
(٣) جامع البيان ٦/ ٥٠٣.
(٤) قالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨): «لا يجوزُ أن يكون اللهُ أنزَلَ كلاماً لا معنى له، ولا يجوزُ أن يكون الرسولُ وجميعُ الأُمَّةِ لا يعلمون معناه، كما يقولُ ذلك من يقولُه من المُتأخِّرين، وهذا القولُ يجبُ القَطعُ بأنَّه خطأٌ». مجموع الفتاوى ١٧/ ٣٩٠. وله رسالةٌ وافيةٌ بعنوان: (ليس في القرآن لفظةٌ زائِدةٌ لا تُفيدُ معنى)، ضمن جامع المسائِل، المجموعة الثامنة (ص: ٣٣١)، وينظر: تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة (ص: ١٤٣).

<<  <   >  >>