للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن بيانِ النَّبي للقرآنِ الكريمِ، وأشارَ إلى أصولِ الأدلَّة مِنْ النَّقلِ والاستدلالِ، ووجوهِ الخَطأِ في الاستدلالِ بهما، ووجوبِ لزومِ مذاهبِ الصَّحابةِ والتّابعين في التَّفسيرِ، ثُمَّ أفاضَ القولَ في طُرقِ التَّفسيرِ المعتَبَرةِ، ومراتبِ الاستدلالِ بها، وحُرمَةِ القولِ في القرآنِ بلا دليل. (١)

المطلبُ الثّاني: مكانَةُ الاستدلالِ على المعاني في التَّفسيرِ.

إنَّ إقامةَ الدَّليلِ والبرهانِ على كلِّ قولٍ ودعوى منهجٌ شرعيٌّ، وأصلٌ علميٌّ؛ فقد جاءَ القرآنُ صريحاً واضحاً بالأمرِ بإقامةِ الدَّليلِ مِنْ كُلِّ ذي دعوى على دعواه، وبَيَّن أنَّ قبولَ القولِ متوقِّفٌ على إقامةِ الدَّليلِ عليه، وأنَّ الدَّليلَ والبرهانَ هو الفارقُ بين الحقِّ والباطلِ، والعلمِ والظّنِّ، والصِّدقِ والكذبِ؛ ومِن تلك النصوصِ المتوافرةِ قولُه تعالى ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ١١١]، فدليلُ صِدقِ الدعوى إقامةُ الدَّليلِ عليها، ولا يُقبَلُ الدَّليلُ ما لم يكُنْ عِلماً ثابتاً مطابقاً للواقعِ: ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٣]، وكُلُّ ما لا دليلَ عليه فهو مِنْ الظَنِّ والخَرصِ الذي لا يُغنِي مِنْ الحقِّ شيئاً: ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٨]، قالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨): «الأدلَّةُ أعلامُ الله التي نصبَها أسباباً موصِلاتٍ إلى العلمِ بأحكامِه» (٢).


(١) ينظر: مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٢٩، ٣٣١، ٣٤٤، ٣٥٥، ٣٦١، ٣٦٣، ٣٦٤، ٣٦٨، ٣٧٠.
(٢) تنبيه الرجل العاقل ٢/ ٤٥١.

<<  <   >  >>