للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا دليلَ له، وجعلَ بعضَها في حَيِّزِ الاحتمالِ، واختارَ أصَحَّها دليلاً، وأوضَحَها وجهاً (١). وبعدَ أن ذكرَ الخلافَ في المُرادِ بالصَّلاةِ في قولِه تعالى ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾ [الإسراء: ١١٠]، قالَ: «وأَوْلى الأقوالِ في ذلك بالصِّحَّةِ، ما ذكَرْنا عن ابنِ عباسٍ في الخبرِ الذي رواه أبو جعفرَ، عن سعيدٍ، عن ابنِ عباسٍ؛ لأنَّ ذلك أصَحَّ الأسانيدِ التي رُويَ عن صحابيٍّ فيه قولٌ مَخرَجاً، وأشبَهُ الأقوالِ بما دَلَّ عليه ظاهرُ التَّنزيلِ؛ وذلك أنَّ قوله ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾ [الإسراء: ١١٠]، عقيبَ قولِه ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء: ١١٠]، وعقيبَ تقريعِ الكفارِ بكفرِهم بالقرآنِ، وذلك بُعدُهم مِنه ومِن الإيمانِ» (٢). ويكادُ يكونُ قولُه: «وأولى الأقوالِ بالصَّوابِ»، أو: «بالصِّحَّةِ» = عنواناً على ترجيحاتِه واختياراتِه، بعد ذكرِه للخِلافِ في معنى الآيَةِ، كما هو ظاهِرٌ جِدَّاً في تفسيرِه (٣).

القاعدةُ التّاسعةُ: الدَّليلُ الذي يتعيَّنُ الأخذُ به هو ما صَحَّتْ دلالتُه في نفسِه، وسَلِمَ مِنْ المُعارِضِ الراجِحِ.

تَقَرَّرَ في القواعِدِ السَّابِقَةِ وجوبُ اعتمادِ الدَّليلِ في اختيارِ المعنى، والتَّرجيحِ بين المعاني، لكنَّ النَّاظِرَ في كُتُبِ التَّفسيرِ يرى أنواعاً مِنْ الأدلَّةِ على المعاني؛ فهل كُلُّ ما استُدِلَّ به على المعاني يصلُحُ دليلاً لها؟ وما صِفَةُ الدَّليلِ الذي يصِحُّ الاستدلالُ به، ويجبُ قبولُه؟


(١) ينظر: جامع البيان ١/ ٤٩٨ - ٤٩٩.
(٢) جامع البيان ١٥/ ١٣٦.
(٣) جامع البيان ١/ ٣١٩، ٥١٨، ٢/ ٢٠٤، ٣/ ١٣٨، ٤٤١، ٤/ ١٦٢، ٨/ ٣٩، ٢٨٦، ٢٠/ ٤٨، ٢١/ ٤٧٤.

<<  <   >  >>