للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلبُ الرّابعُ: ضوابطُ الاستدلالِ بأحوالِ النُّزولِ على المعاني ومسائِلُه.

أوَّلاً: طريقُ العِلمِ بأحوالِ النُّزولِ هو النَّقلُ وحدَه، ولا مدخلَ للعقلِ في ذلك، وقد أشارَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) إلى ذلك بقولِه عن آيةٍ تعدَّدَت فيها الأسبابُ: «ولا خبرَ تَثْبُتُ به الحُجَّةُ أنَّها نزلَت في شيءٍ. ولا دلالَةَ في كتابٍ، ولا حُجَّةَ عَقْلٍ أيُّ ذلك عُنيَ بها» (١)، فخَصَّ النُّزولَ بالنَّقلِ، وعمَّ الدَّلالَةَ بالنَّقلِ والعَقْلِ. وقالَ عن أسبابٍ تعدَّدَت: «ولا علمَ لنا بأيِّ ذلك مِنْ أيٍّ؛ إذْ كانَ لا خبرَ بأحدِهما يوجِبُ الحُجَّةَ، ويُتوَصَّلُ به إلى يقينِ العلمِ به، وليس مِمّا يُدرَكُ عِلمُه بفِطرةِ العقلِ» (٢).

وقد أكَّدَ العُلماءُ هذا المعنى أيضاً، فقالَ الثَّعلبي (ت: ٤٢٧): «قالت العُلماءُ: التَّفسيرُ: عِلمُ نُزولِ الآيةِ، وشَأنِها، وقِصَّتِها، والأسبابِ التي نزلَت فيها. فهذا وأضرابُه محظورَةٌ على النّاسِ القَولُ فيها إلا باستِماعٍ وأثَرٍ» (٣)، وقالَ الواحديّ (ت: ٤٦٨): «ولا يَحِلُّ القَولُ في أسبابِ نُزولِ الكتابِ إلا بالرِّوايةِ والسَّماعِ مِمَّنْ شاهدَ التَّنزيلَ، ووَقَفَ على الأسْبابِ» (٤)، وقالَ صاحبُ (المباني في علمِ المعاني): «الذين شاهدوا الأحوالَ، وعرَفوا سبَبَ نزولِ الآياتِ مِنْ أصحابِ رسولِ الله ، ثُمَّ الذين بعدَهم مِمَّنْ كانوا مِنْ عِلمِ تلك الأحوالِ بمنزلةِ


(١) جامع البيان ١٤/ ٣٤١.
(٢) جامع البيان ١١/ ٥٧٢.
(٣) الكشفُ والبيان ١/ ٨٧.
(٤) أسباب نزول القرآن (ص: ٩٦).

<<  <   >  >>