للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) -عند الحاجةِ لاستِعمالِ دليلِ اللُّغةِ- يُقدِّمُه في الأكثرِ، وغالباً ما يقترنُ ذِكرُه بدليلِ أقوالِ السَّلفِ؛ لما لها مِنْ الأثرِ على توجيه الاستدلالِ اللغويِّ وضبطِه، على ما سيتبيَّنُ بإذنِ الله.

المطلبُ الثّاني: حُجِّيَّةُ الاستدلالِ بلغةِ العربِ على المعاني.

توافرَتْ الأدلَّةُ على صِحَّةِ الاحتجاجِ بلغةِ العربِ على معاني كلامِ الله تعالى، وفيما يأتي بيانُها:

أوَّلاً: أنَّ الله تعالى وصفَ كتابَه بأنَّه عربيٌّ؛ فقالَ تعالى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: ٢]، وقالَ ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [طه: ١١٣]، وبيَّنَ أنَّه بلسانِ العربِ نازلٌ؛ فقالَ سبحانه ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥]، وقالَ ﴿وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ﴾ [الأحقاف: ١٢]، ونفى عنه كُلَّ لسانٍ غير لسانِ العربِ فقالَ سبحانه ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣]، وقالَ ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ [فُصِّلَت: ٤٤]، قالَ الشّافعي (ت: ٢٠٤): «والقرآنُ يدلُّ على أنْ ليس مِنْ كتابِ الله شيءٌ إلا بلسانِ العربِ» (١).

فلمّا كانَ ذلك كذلك كانَت لغةُ العربِ أَولى ما يُستدلُّ بها على معاني القرآنِ الكريمِ؛ لنزولِه مطابقاً لألفاظِها وأساليبِها وعادتِها في


(١) الرسالة (ص: ٤٢).

<<  <   >  >>