للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأَيْمانِ. فقولٌ لا دَلالَةَ عليهِ مِنْ كتابٍ، ولا سُنَّةٍ، والخَبَرُ عمَّا كانَ لا تُدْرَكُ صِحَّتُه إلا بخَبَرٍ صادِقٍ؛ وإلا كانَ دعوى لا يتعذَّرُ مثلُها وخِلافُها على أحدٍ» (١).

وقد أشارَ إلى قاعِدَةٍ تَقرُبُ مِنْ هذه القاعِدَةِ، وهي: القولُ بلا بُرهانٍ تَحَكُّمٌ. والتَّحَكُّم هو: الاستبدادُ بالرَّأي على أيِّ وجهٍ كانَ (٢). وذلك حالُ طائِفةٍ ممَّن يذهبُ إلى رأيِهِ بدونِ بَيِّنَةٍ تَشهَدُ لصوابِه، وأكثَرُ ما يقعُ ذلك مِنْ أهلِ الأهواءِ، والمُتَعَصِّبَةِ للرَّأيِ دونَ الحَقِّ. ومِن مقالاتِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) في ذلك قولُه: «فإنْ جازَت إحدى الزِّيادتَيْن اللّتَيْن ليسَتا في المصاحِفِ، كانَت الأُخرى نظيرَتَها، وإلا كانَ مُجيزُ إحداهُما إذا مَنَعَ الأُخرى مُتَحَكِّماً، والتَّحَكُّمُ فلا يعجِزُ عنه أحدٌ» (٣)، وقولُه مُعَلِّلاً لاختيارِه: «إنَّ دعوى المُدَّعي نسخَ آيَةٍ مُحتَمَلٍ أن تكونَ غيرَ منسوخَةٍ؛ بغيرِ دَلالَةٍ على صِحَّةِ دعْواهُ = تَحَكُّمٌ، والتَّحَكُّمُ لا يعجِزُ عنه أحدٌ» (٤).

القاعدةُ الرّابعةُ: التَّوقُّفُ فيما لم يَدلَّ على صِحَّتِه دليلٌ فلا يُقَالُ به.

إنَّ القولَ إذا خلا عن دليلٍ كانَ دعوىً مِنْ صاحِبِه، وما كانَ كذلك فموقوفٌ على صاحِبِه حتى يَكشِفَه الدَّليلُ، أو مردودٌ عليه إن أبطَلَه الدَّليلُ. وفي كِلا الحالَيْن لا يؤخَذُ إلا بما دَلَّ الدَّليلُ على صِدقِه، وما


(١) جامع البيان ٤/ ١٣. وينظر: ٣/ ٦٩٦، ٧/ ٦٧٥.
(٢) ينظر مادَّة (حَكَم) من تاج العروس ٣١/ ٥١١، والمعجم الوسيط (ص: ١٩٠).
(٣) جامع البيان ٢/ ٧٢٦.
(٤) جامع البيان ٣/ ٢٩١. وينظر: ١/ ١٥٣.

<<  <   >  >>