للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا الاسْتِدلالُ والاسْتِخراجُ فَهُما فِعْلُ النَّاظِرِ في الدَّليلِ، وفيهِما معنى الطَّلَبِ، والاجتهادِ، وبُعدِ ما يُسْتَخرَجُ مِنْ الدَّلالاتِ، بخلافِ النَّصِّ في الدَّليلِ النَّقلي؛ فإنَّه ظاهِرٌ قريبُ المَأْخَذ. وقد جَعَلَهُما ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) في مقابلِ النَّقلِ، والخَبَرِ.

وأمَّا الدِّلالَةُ فهي غايَةُ النَّظرِ العَقْليِّ في الدَّليلِ، ونتيجَتُه، ومَحَلُّ بَحثِه، وقد ذَكَرَها ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) في مُقابلِ الأصْلِ، والنَّصِّ.

وأمَّا النَّظيرُ والقياسُ فهُما أشْهَرُ الأدِلَّةِ النَّظريَّةِ العقليَّةِ، وأَكثَرُها وُرُوداً، وقد ذَكَرَهُما ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) في مقابلِ الأصْلِ، والخَبَرِ.

وقد أبانَ بعضَ معنى ذلك في قولِه: «ولا خبَرَ بذلك تقومُ به الحُجَّةُ؛ فيَجِبَ التَّسليمُ لها، ولا هو -إذْ لم يَكُنْ به خبَرٌ على ما وصَفنا- مِمَّا يُدرَكُ عِلمُه بالاستدلالِ والمقايِيسِ؛ فيُمَثَّلَ بغيرِه، ويُستَنبَطَ عِلمُه مِنْ جِهَةِ الاجتِهادِ» (١).

المطلبُ الثَّالثُ: المكانَةُ العلميَّةُ لأصولِ أدلَّةِ المعاني التَّفسيريَّةِ.

بالنَّظر إلى هذين الأصلَيْن الجامِعَيْن لأنواعِ أَدِلَّةِ المعاني عند ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠)، نَجِدُ أنَّهما كذلك أصلُ معرفةِ الحقِّ مِنْ البَاطِلِ، وتمييزِ الصوابِ مِنْ الخَطأِ عندَ عامَّةِ العلماءِ، وفي جميعِ العلومِ؛ وذلك أنَّ الله تعالى أنزلَ كتابَه فرقاناً بين الحَقِّ والباطِل: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ [الفرقان: ١] (٢)، وأنزَلَه بالحَقِّ والميزانِ: ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ


(١) جامع البيان ٢/ ٥٥٦.
(٢) ينظر: جامع البيان ١٧/ ٣٩٤.

<<  <   >  >>