للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلبُ الثاني: حُجِّيَّةُ الاستدلالِ بالقرآن الكريمِ على المعاني.

ثَبَتَ بالمُعجِزاتِ القاطِعةِ، والبراهين الباهِرةِ، أنَّ القرآنَ كلامُ الله تعالى، وحُجَّتُه على خلقِه، وهو الآيةُ الكبرى التي جاءَ بها محمدٌ ، وتحدَّى اللهُ بها العربَ، فعجزوا عن الإتيانِ بمثله؛ لا خلافَ بين العُقلاءِ في ذلك (١). وقد خَصَّهُ اللهُ تعالى بحفظِه مِنْ النَّقصِ والزِّيادةِ، والتَّغييرِ والتَّبديلِ؛ ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحِجر: ٩]، فنُقِلَ إلينا متواتراً، مقروءاً ومكتوباً، كما أنزلَه اللهُ على رسولِه .

وقد دَلَّت الأدلَّةُ النَّقليَّةُ والعقليَّةُ على حُجِّيَّةِ الاستدلالِ بالقرآنِ على المعاني، وهذا بيانُها:

١ - الأدلَّةُ الدالَّةُ على وجوب اتِّباعِه، والرَّدِّ إليه عند التَّنازعِ، كقولِه تعالى ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ٣]، وقولِه ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: ٥٩]، وهذا يشملُ الأمرَ باتِّباعِ ما دَلَّ عليه مِنْ المعاني، والرَّدِّ إليه عند التنازُعِ فيها.

٢ - ثبوتُه عن النَّبي ، ومِن ذلك قول ابن مسعود : «لَمَّا نزلَت ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢] شَقَّ ذلك على أصحابِ رسولِ الله ، وقالوا: وأيُّنا لم يظلم نفسه! فقالَ النَّبي : «ليس بذلك؛ ألم تسمعوا ما قالَ العبدُ الصَّالحُ: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]؟ إنَّما هو الشِّركُ»» (٢)، وقولُه : «﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] هي السَّبعُ المثاني، والقرآنُ العظيمُ الذي


(١) ينظر: الجوابُ الصَّحيحُ ٥/ ٤٢٢ - ٤٢٨، والبحرُ المحيطُ، للزَّركشي ١/ ٣٦٠.
(٢) سبق تخريجه (ص: ٤٦).

<<  <   >  >>