للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنّي مهاجرٌ إلى أرضِ الشَّام. فكذلك قولُه ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي﴾ [الصافات: ٩٩]؛ لأنَّه كقولِه ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ [العنكبوت: ٢٦]» (١).

المطلبُ الرابع: ضوابطُ الاستدلالِ بالقرآن الكريمِ على المعاني ومسائِلُه.

أوَّلاً: القرآنُ قَطعيُّ الثُّبوتِ، لا يُبحَثُ فيه عن جِهةِ ورودِه؛ لتواتُرِ نقلِه، وذلك تصديقُ حفظِه الذي تكفَّلَ الله تعالى به: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحِجر: ٩]، فنُقِلَ إلينا متواتراً، مقروءاً ومكتوباً، كما أنزلَه اللهُ على رسولِه ، وفي قولِه تعالى ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩] دلالَةٌ على حفظِه مُشافهةً؛ حيثُ دلَّت الآيةُ على أنَّ القرآنَ سيبلُغُ قوماً غيرَ الذين أسمعَهُم النَّبيُّ ، وله مِنْ الحُجَّةِ عليهم مثلَ ما لَه على مَنْ سمعَه مِنْ النَّبي مباشرةً، وذلك طريقُه القطعُ لا الظَّنُّ، وإنَّما يكونُ ذلك حُجَّةً على مَنْ بلغَ مِنْ كافَّةِ الأمَّةِ بنقلِه المتواتِر.

كما أشارَ قولُه تعالى ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة: ٢]-ولم يكُن صارَ حينذاكَ مكتوباً مجموعاً- إلى حفظِه الكِتابيِّ، وذلك ما كانَ مِنْ جمعِه مكتوباً في زمنِ النَّبي ، وأبي بكرٍ، وعثمانَ ، وانتشارِ نُسَخِه في الآفاقِ (٢). فطابَقَ المكتوبُ المحفوظَ، ولم يختلفا في شيءٍ. قالَ أبو شامة (ت: ٦٦٥): «وحفِظَه في حياتِه جماعةٌ مِنْ أصحابِه، وكُلُّ قِطعةٍ


(١) جامع البيان ١٩/ ٥٧٧. وينظر: ١/ ٣٢٩، ٣٩٧، ٦٩١، ٢/ ٢٣، ٣/ ٦٢٦، ٦٤٥، ٨/ ١٥، ١٤/ ٣٦٠.
(٢) ينظر: الانتصار للقرآن ١/ ١٧ - ١٨، والإتقان ١/ ١٦٤.

<<  <   >  >>