للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدَّليلِ أوَّلاً، ثُمَّ يُقيمُه دليلاً على المعنى ثانياً. فلا يكتَفي في هذا القِسمِ بإيرادِ دليلِ القرآنِ، بل يَشفَعُه بالبيانِ عن وجهِ دلالَتِه على المعنى المُرادِ؛ ليَتِمَّ به الاستدلالُ. ومِن أمثلَتِه قولُ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) عند قولِه تعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ﴾ [الحِجر: ٢٦]: «والذي هو أَوْلى بتأويلِ الآيةِ أن يكونَ الصَّلصالُ في هذا المَوضِعِ: الذي له صوتٌ مِنْ الصَّلصَلةِ. وذلك أنَّ الله تعالى وصَفَه في موضِعٍ آخرَ فقالَ ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾ [الرحمن: ١٤]، فشبَّهَه تعالى ذِكرُه بأنَّه كانَ كالفخَّارِ في يُبسِه، ولو كانَ معناه في ذلك: المُنتِنَ. لم يُشَبِّهه بالفخَّارِ؛ لأنَّ الفخَّارَ ليس بمُنتنٍ فيُشَبَّه به في النَّتن غيرُه» (١)، وقولُه في قولِه تعالى ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾ [البقرة: ١٣]: «والسُّفهاءُ جمعُ سفيهٍ .. ، والسَّفيهُ: الجاهلُ الضَّعيفُ الرَّأي، القليلُ المعرفَةِ بمواضِعِ المنافِعِ والمضارِّ. ولذلك سمَّى اللهُ جلَّ وعزَّ النِّساءَ والصِّبيانَ: سُفهاءَ. فقالَ تعالى ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [النساء: ٥]، فقالَ عامَّةُ أهلِ التأويلِ: هم النِّساءُ والصِّبيانُ. لضَعفِ آرائِهم، وقِلَّةِ معرفتِهم بمواضِعِ المصالِحِ والمضارِّ التي تُصرَفُ إليها الأموالُ» (٢)، وفي قولِه تعالى ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الصافات: ٩٩] يقولُ: «وإنَّما اخترتُ القولَ الذي قلتُ في ذلك؛ لأنَّ الله ذكرَ خبرَه وخبرَ قومِه في موضِعٍ آخرَ، فأخبرَ أنَّه لمَّا نجَّاه ممَّا حاوَلَ قومُه مِنْ إحراقِه، قالَ ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ [العنكبوت: ٢٦]، ففسَّر أهلُ التأويلِ ذلك أنَّ معناه:


(١) جامع البيان ١٤/ ٥٩.
(٢) جامع البيان ١/ ٣٠٢.

<<  <   >  >>