للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وواضِحٌ مِنْ هذه النِّسبةِ أنَّ ما تُفيدُه القراءَةُ الشَّاذَّةُ مِنْ المعاني أكثرُ؛ لأنَّها تشملُ وجوهاً مِنْ الأحرُفِ السَّبعةِ أكثرَ ممَّا اشتملَ عليه مصحفُ عثمان وما نُسِخَ عنه، ومِن ثَمَّ وقعَ الاستدلالُ بها أكثرُ، وهذا يشيرُ إلى أهميَّةِ جمعِ القراءاتِ الشَّاذَّةِ وتدوينِها؛ لا للقراءَةِ بها، وإنَّما للاستفادةِ مِنها في تبيينِ المعاني واللُّغاتِ والأحكامِ، كغيرِها مِنْ الشَّواهِدِ والدَّلائِل.

المطلبُ الرابع: ضوابطُ الاستدلالِ بالقراءاتِ على المعاني ومسائِلُه.

أوَّلاً: ضابطُ القراءَةِ التي يصح الاستدلالُ بها على المعاني هي: كُلُّ قراءَةٍ مأثورةٍ عن النَّبي ، وصحابتِه الكرامِ . وما كانَ كذلك فإمَّا أن يكونَ قراءةً صحيحةً؛ وهي حُجَّةٌ إجماعاً، وإمَّا أن يكونَ قراءةً شاذَّةً؛ والصَّحيحُ مِنْ قَوْلَيْ العُلماءِ أنَّها حُجَّةٌ لا في القراءةِ بها.

ثانياً: لا فرقَ في الاحتجاجِ للمعنى بين نَوعَيْ القراءاتِ، ولا تتقدَّمُ إحداهُما على الأُخرى بهذا الاعتبارِ؛ ومِن أدلَّةِ ذلك في تطبيقِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) أنَّه لم يعتبِرْ شذوذَ القراءَةِ سبباً يمنعُ مِنْ الاستدلالِ بها، أو يؤخِّرُها عن غيرِها في جميعِ المواطِنِ التي خالفَتْ فيها قراءَةً صحيحةً. ووجهُ ذلك بيِّنٌ؛ وهو أنَّ المُقابلَةَ هنا بين معنىً ومعنىً، لا بين قراءةٍ وقراءةٍ، ومعلومٌ أنَّه لا تلازُمَ بين قطعيَّةِ ثبوتِ القراءةِ الصَّحيحةِ، وقطعيَّةِ معناها، ومِن ثَمَّ تتعادلُ معاني القراءاتِ الصَّحيحةِ والشَّاذَّةِ، وتتأخَّرُ القراءةُ الشَّاذَّةُ إن تعلَّقَ الأمرُ بالثُّبوتِ.

<<  <   >  >>