للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومِن أمثلةِ ذلك ما بيَّنَه ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) عند قولِه تعالى ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ [البقرة: ٦١]، حيثُ ذكرَ القولَ الأوَّل: أنَّ المُرادَ مصراً مِنْ الأمصارِ، لا مصراً بعينِه. وذكرَ مِنْ حُجَّتِهم قراءةَ عامَّةِ القُّرَّاءِ: بتنوينِ مصرَ. ثمَّ ذكرَ القولَ الثاني: أنَّ المُرادَ مصرَ التي كانَ بها فرعون. وذكرَ مِنْ حُجَّتِهم أنَّها في قراءةِ أُبيِّ بن كعبٍ، وابنِ مسعودٍ: (مصرَ) [البقرة: ٦١] (١) بغيرِ ألفٍ. ثُمَّ قالَ: «والذي نقولُ به في ذلك: أنَّه لا دلالَةَ في كتابِ الله جلَّ ثناؤُه على الصَّوابِ مِنْ هذين التأويلَين، ولا خبَرَ عن الرسولِ يقطعُ مجيئُه العذرَ، وأهلُ التَّأويلِ مُتنازِعون في تأويلِه .. ، وجائزٌ أن يكونَ ذلك القرارُ مصرَ، وجائِزٌ أن يكونَ الشَّامَ. فأمَّا القراءةُ فإنَّها بالألفِ والتَّنوينِ: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ [البقرة: ٦١]، وهي القراءةُ التي لا يجوزُ عندي غيرُها؛ لإجماعِ خطوطِ مصاحِفِ المسلمين، واتِّفاقِ قراءَةِ القَرَأةِ على ذلك، ولم يقرأ بتركِ التنوينِ فيه وإسقاطِ الألفِ مِنه إلا مَنْ لا يجوزُ الاعتراضُ به على الحُجَّةِ فيما جاءَت به مِنْ القراءَةِ مُستفيضاً فيها» (٢)، فالقراءةُ عند ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) بالصَّحيحةِ فقط، وأمَّا المعنى فقد يكونُ في الصَّحيحَةِ أو الشَّاذَّةِ، ولا تتقدَّمُ إحداهُما الأُخرى بهذا الاعتبارِ، بل بغيرِه مِنْ وجوهِ الاستدلالِ.

ومثلُه ردُّه على مَنْ استدلَّ بقراءَةِ: (فما استمتعتُمْ به مِنهُنَّ إلى أجلٍ مُسمَّى) [النساء: ٢٤] (٣)، على أنَّ المُرادَ بالمُتعةِ في قولِه تعالى ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء: ٢٤]: نكاحَ المُتعةِ المؤقَّت. حيثُ قالَ: «وأمَّا


(١) قراءةٌ شاذَّةٌ. ينظر: المصاحف ١/ ٣٠٣، وإتحاف فضلاء البشر (ص: ١٨٠).
(٢) جامع البيان ٢/ ٢١ - ٢٥.
(٣) قراءةٌ شاذَّةٌ. ينظر: جامع البيان ٦/ ٥٨٨، والمصاحف ١/ ٣٥٢.

<<  <   >  >>