للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القاعدةُ الثّالثةُ: كُلُّ قولٍ لا دليلَ عليه فدعوى لا تتعذَّرُ على أحدٍ.

الدَّعوى هي: كُلُّ قولٍ ينتَحِلُه الإنسانُ مُجرَّداً عن الدَّليلِ (١). كما في قولِه تعالى ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ١١١]، فيلزَمُ كُلُّ قائِلٍ قولاً أن يُقِيمَ الدَّليلَ على صِحَّتِه، وإلا أُوقِفَ قولُه عليه، ولم يؤخَذْ به؛ لأنَّ الدعاوى ميسورَةٌ لكُلِّ أحدٍ، وليسَ أحَدُها بأولى مِنْ الآخرِ، قالَ الشّاطبي (ت: ٧٩٠): «والدَّعوى المُجرَّدةُ غيرُ مقبولةٍ باتِّفاقِ العُلماءِ» (٢).

وهذه القاعِدَةُ قريبَةُ المعنى مِنْ القاعدَةِ السابقَةِ، إلا أنَّ ابنَ جريرٍ (ت: ٣١٠) كَرَّرَها في عِدَّةِ مواضِعَ لتقريرِ: أنَّ القولَ وإنْ حَسُنَ في ظاهِرِه، أو كَثُرَ قائِلُه، أو عَظُمَتْ مكانَةُ قائِلِه = فإنَّه دعوى موقوفَةٌ على قائِلِها؛ ما لم يشهَدْ لها الدَّليلُ المُعتَبَر. ومِن ذلك قولُه: «فأمَّا الزَّاعِمُ أنَّ اللهَ عنى بقولِه ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١١٨]: العربَ (٣). فإنَّه قائِلٌ قولاً لا خَبَرَ بصِحَّتِه، ولا بُرهانَ على حقيقَتِه في ظاهِرِ الكتابِ. والقولُ إذا صارَ إلى ذلك، كانَ واضِحاً خطؤُه؛ لأنَّه ادَّعى ما لا بُرهانَ على صِحَّتِه، وادِّعاءُ مثلِ ذلك لن يتعَذَّرَ على أحدٍ» (٤)، وقالَ أيضاً: «وأمَّا الذي ذكرنا عن السُّدِّي مِنْ: أنَّ هذه الآيةَ نزلَت قبلَ نزولِ كفَّاراتِ


(١) ينظر: تهذيب اللغة ٣/ ٧٦، وتنبيه الرجل العاقل ٢/ ٤٥١، وشرح حدود ابن عرفة (ص: ٤٧٠)، ودستور العلماء ٢/ ٧٤.
(٢) الموافقات ٤/ ٢٣٢.
(٣) هو قولُ قتادةَ (ت: ١١٧)، والسُّدِّي (ت: ١٢٨)، والرَّبيع (ت: ١٣٩). ينظر: جامع البيان ٢/ ٤٧٤.
(٤) جامع البيان ٢/ ٤٧٥.

<<  <   >  >>