للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل جعلَ عَدَمَ الدَّليلِ دليلاً على البُطلانِ؛ حيثُ قالَ: «فإذ كانَ لا قولَ في تأويلِ ذلك إلا أحدَ القولَيْن اللذَيْن وَصَفْتُ، ثُمَّ كانَ أحدُهُما غيرَ موجودَةٍ على صِحَّتِه الدَّلالَةُ مِنْ الوجْهِ الذي يَجِبُ التَّسليمُ له = صَحَّ الوجْهُ الآخرُ. والذي حُكِيَ عن الحسنِ وقتادةِ ومَن قالَ بقولِهِما في تأويلِ ذلك غيرُ موجودَةٍ الدَّلالَةُ على صِحَّتِه مِنْ الكتابِ، ولا مِنْ خَبَرٍ تَجِبُ به حُجَّةٌ. والذي قالَه ابنُ عباسٍ يَدلُّ على صِحَّتِه خَبَرُ الله جلَّ ثناؤه عن إبليسَ وعصيانِه إيَّاهُ إذْ دعاه إلى السُّجودِ لآدمَ، فأبى واستكبرَ، وإظهارُه لسائرِ الملائِكةِ مِنْ معصيَتِه وكِبرِه ما كانَ له كاتِماً قبل ذلك» (١).

وقد تركَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) عدداً مِنْ الأقوالِ لافتقارِها إلى الدَّليلِ، مع احتمالِ بعضِها للصَّوابِ، ومِن ذلك قولُه: «وإنَّما تركنا القولَ بالذي رواهُ الضَّحَّاكُ عن ابنِ عباسٍ، ووافقَه عليه الرَّبيعُ، وبالذي قالَه ابنُ زيدٍ في تأويلِ ذلك؛ لأنَّه لا خَبَرَ عندنا بالذي قالوه مِنْ وجهٍ يقطَعُ مَجِيئُه العُذْرَ، ويَلْزَمُ سامعَه به الحُجَّةُ» (٢)، وقولُه: «وليسَ ما قالَه مَنْ خَالفَ قولَنا هذا -مِنْ الأقوالِ التي حكيناها- بمدفوعٍ قولُه، ولكنَّه قولٌ لا شَاهدَ عليه مِنْ حُجَّةٍ يجبُ التَّسليمُ لها فيجوزُ لنا إضافتُه إلى آدمَ؛ وأنَّه ممّا تلقّاهُ مِنْ رَبِّه عند إنابتِه إليه مِنْ ذنبِه» (٣).


(١) جامع البيان ١/ ٥٣٣.
(٢) جامع البيان ١/ ٥٠٠.
(٣) جامع البيان ١/ ٥٨٦. وينظر: ٩/ ٦٥٩، ٦٧٨، ١٣/ ٥٩، ٦٨، ١٧/ ٣٧٧، ٢٤/ ٥٠.

<<  <   >  >>