للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يستوجبُ قراءةً تأصيليّةً تُبرزُ ذلك الرِّباطَ الذي يشُدُّه، والنِّظامَ الذي سارَ عليه.

وفي سبيلِ ذلك قصدتُ إلى هذه الدِّراسةِ التي تبحثُ (أدلَّةَ المعاني في التَّفسيرِ)، وتُبرزُ (منهجَ الاستدلالِ بها) في تراثِ أئِمَّتِنا، إذْ لم تكُن تلك القضايا غائبةً فيما دوَّنوه في هذا العلمِ؛ فقد اجتهدَ علماءُ التَّفسيرِ في بيانِ معاني الآياتِ وتحقيقِها غايةَ الاجتهادِ، وعُنوا -في سبيلِ ذلك- بتحديدِ أدلَّةِ تلك المعاني، وطرائق الاستدلالِ بها على الصَّوابِ، وكثُرَ ذلك مِنهم كثرةً ظاهرةً؛ حتّى غدَت كُتبُ التَّفسيرِ ما بين اختيارٍ لمَعنىً، ودليلٍ على ذلك الاختيارِ، ولا يكادُ يخرجُ موضوعُها عن ذلك.

ومع انتشارِ تلك المباحثِ في كتبِ التَّفسيرِ نظريّةً وتطبيقاً، واشتراكِ أئمَّةِ المُفسّرين في منهجٍ عامٍّ يحتكمون إليه في ذلك؛ إلا أنّي لم أجِدْ كتابةً مُفردةً تُجلّي تلك الأدلَّةَ بلا التباسٍ، وتُحدِّدُ ذلك المنهجَ العامَّ في الاستدلالِ بها على المعاني، وتُبيّنُ فيه الأصولَ الضّابطةَ، والقواعدَ الحاكمةَ، والمُقدَّمَ مِنْ الأدلَّةِ والمُؤَخَّر، والمُعتبرَ مِنها وغيرَ المُعتبر.

وبذلك تتبيَّنُ القيمةُ العلميَّةُ لهذه الدِّراسةِ، والتي أرجو أن أوَفَّقَ لبحثِها مِنْ خلالِ كتابٍ مِنْ أجلِّ كتبِ التَّفسيرِ وأشهرِها، وأعظمِها أثراً في هذا العلمِ، وهو تفسيرُ: «جامعِ البيانِ عن تأويلِ آيِ القرآن» لأبي جعفرَ محمد بن جريرٍ الطَّبريّ (ت: ٣١٠) ، والذي جمعَ فيه مؤَلِّفُه أقوالَ مفسِّري السَّلفِ بأسانيدِها، ودرسَ مُتُونَها دراسةً تفسيريَّةً نقديَّةً شاملةً؛ فميَّزَ الأقوالَ، وبيَّنها، ورجَّحَ ما اختارَه مِنها، مع ذكرِ وجهِ ترجيحِه، ومأخَذِ اختيارِه بالتَّفصيلِ والدَّليلِ، وصارَ هذا الاستدلالُ والتَّرجيحُ مِنْ أعظمِ ما يُميِّزُ هذا الكتابَ عن غيرِه.

<<  <   >  >>