للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٢]: «وأمَّا الذي قالَه ابنُ زيدٍ في ذلك أيضاً فقولٌ لا معنى له؛ لأنَّه لو كانَ بمعنى المُبادلَةِ لكانَتْ القراءَةُ والتَّنزيلُ: ولا أن تُبادِلَ بهنَّ مِنْ أزواجٍ. أو: ولا أن تُبَدِّلَ بهنَّ. بضمِّ التَّاءِ، ولكنَّ القراءَةَ المُجمَعَ عليها: ﴿وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٢]، بفتحِ التَّاءِ، بمعنى: ولا أن تستبدِلَ بهنَّ» (١)، وقالَ أيضاً: «وفي قراءَةِ عبد الله بن مسعودٍ: ﴿سلامٌ على إدْراسين﴾ [الصافات: ١٣٠] (٢) دلالَةٌ واضِحةٌ على خطأِ قولِ مَنْ قالَ: عُنيَ بذلك: سلامٌ على آلِ محمدٍ. وفسادِ قراءَةِ مَنْ قرأَ: ﴿وإنْ الياسَ﴾ [الصافات: ١٢٣] (٣) بوَصلِ النُّونِ مِنْ (إنْ) بإلياسَ، وتوجيهِ الألِفِ واللامِ فيه إلى أنَّهُما أُدخِلتا تعريفاً للاسْمِ الذي هو (ياسُ)؛ وذلك أنَّ عبدَ الله كانَ يقول: إلْياسُ هو إدريسُ، ويقرأُ: ﴿وإنَّ إدريسَ لَمِن


(١) جامع البيان ١٩/ ١٥٣.
(٢) قراءةٌ شاذَّةٌ. ينظر: المصاحف ١/ ٣٣٢.
(٣) هو وَجهٌ لابنِ عامرٍ الشّاميِّ (ت: ١١٨) مِنْ السَّبعةِ. ينظر: التَّيسير (ص: ١٨٧)، والنَّشر ٢/ ٣٥٧.
وابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) في ردِّه لأمثالِ هذه القراءاتِ التي تواترَت يقصِدُ إلى أحدِ مَعنيَيْن:
أحدهما: ردُّها في الاختيارِ؛ بمعنى أنَّ غيرَها أَوْلى مِنها، لوَجهٍ مِنْ وجوهِ التَّقديمِ.
وثانيهما: ردُّها في الاعتبارِ؛ بمعنى أنَّها لا تصحُّ قراءةً، بل هي باطلةٌ.
وعباراتُه تتفاوتُ في الدَّلالةِ على كلا الوَجهَيْن، ومِن هُنا دخلَ اللَّبسُ على مَنْ نسبَ ابنَ جريرٍ (ت: ٣١٠) إلى إنكارِ شيءٍ مِنْ القراءاتِ المُتواترةِ، ودون صِحَّةِ ذلك إثباتُ أمرَيْن: الأوَّلُ مِنهما: أنّ تلك القراءةَ مُتواترةٌ عند ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠). والثّاني: أنَّ عبارتَه صريحةٌ في الإبطالِ، وغيرُ مُحتملةٍ للاختيارِ.
والمَقطوعُ به فيما وقَفتُ عليه مِنْ كلامِه في القراءاتِ: أنَّ ابنَ جريرٍ (ت: ٣١٠) لم يرُدَّ قراءةً ثبتَتْ عنده باستفاضةِ وشُهرةِ ما قبِلَه مِنْ القراءاتِ. ولعلَّ الله أن يُيَسِّرَ تفصيلَ ذلك في دراسةٍ مُستقلَّةٍ بإذن الله. وينظر: الاختيارُ في القراءات، للدكتور عبد الفتاح شلبي، ومقالات في علوم القرآن وأصول التَّفسير (ص: ٣١٢ - ٣٢٧).

<<  <   >  >>