للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثاً: يتعيَّنُ التفريقُ بين شذوذِ القراءةِ، وشذوذِ المعنى، فإنَّ ردَّ الاستدلالَ بالقراءةِ الشَّاذَّةِ في كثيرٍ مِنْ المواضِعِ لا لشذوذِها قراءةً؛ وإنَّما لشذوذِها معنىً، ومقابلتِها بأرجحَ مِنها في الدَّليلِ، ومثالُ ذلك ردُّه على مَنْ استدلَّ بقراءَةِ: (فما استمتعتُمْ به مِنهُنَّ إلى أجلٍ مُسمَّى) [النساء: ٢٤] (١)، على أنَّ المُرادَ بالمُتعةِ في قولِه تعالى ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء: ٢٤]: نكاحَ المُتعةِ المؤقَّت. حيثُ قالَ: «وأمَّا ما رويَ عن أبيِّ بن كعبٍ وابنِ عباسٍ مِنْ قراءَتِهِما: (فما استمتعتُمْ به مِنهُنَّ إلى أجلٍ مُسمَّى) [النساء: ٢٤] = فقراءَةٌ بخلافِ ما جاءَتْ به مصاحِفُ المسلمين» (٢)، وبيَّن حُجَّتَه في رَدِّ ذلك الاستدلالِ بقولِه: «وأَوْلى التأويلَيْن في ذلك بالصَّوابِ تأويلُ مَنْ تأوَّلَه: فما نكحتموه مِنهُنَّ فجامعتموه، فآتوهُنَّ أجورَهُنَّ. لقيامِ الحُجَّةِ بتحريمِ اللهِ مُتعةَ النِّساءِ على غيرِ وجهِ النِّكاحِ الصَّحيحِ أو المُلكِ الصَّحيحِ، على لسانِ رسولِه ). (٣)

وبهذا يتبيَّنُ أنَّه لا تلازمَ بين القراءةِ بالشَّاذِّ والاستدلالِ به، فالأوَّلُ لا يصحُّ، بخلافِ الثَّاني (٤)، ويوضِّحُ ذلك مِنْ الأمثلةِ أيضاً قولُه عن قراءةِ ابنِ مسعودٍ (يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ وكونوا مِنْ الصَّادقين) [التوبة: ١١٩] (٥): «وتأويلُ عبدِ الله -رحمةُ الله عليه- في ذلك


(١) سبقَ تخريجُ القراءةِ (ص: ٢٠٠).
(٢) جامع البيان ٦/ ٥٨٩.
(٣) جامع البيان ٦/ ٥٨٨.
(٤) وينظر: ٢/ ٧٤٣، ٨/ ٥٤٣، ٩/ ٦٧٤، ١٠/ ٣٦٦.
(٥) قراءةٌ شاذَّةٌ، أخرجَها ابنُ جريرٍ مِنْ طُرُقٍ في ١٢/ ٦٩ - ٧٠.

<<  <   >  >>